Posts

Showing posts from October, 2013

سميحة

كانت تضع على وجهها الكثير من المساحيق، وتلبس كعباً عالياً يرفع مؤخرتها ويجعل مشيتها مميزة في شارع شبرا كلما خرجت إلى محل عملها في مصلحة الكيمياء أو لتقضي بعض حوائجها، لكنها كانت تقتصد في مساحيق التجميل حينما تذهب إلى الكنيسة، ومع ذلك فإن عينيها كانت دائماً ما تفضحها بالرغبة التي تتأجج مع كل عام يمر دون زواج. لا تصدق سميحة أنها أتمت الخمسة والثلاثين دون أن تتزوج، لم تصدق منذ خمس سنوات أنها تدخل العقد الرابع بسرعة واندفاع، بل ومرت خمس سنوات طويلة وحيدة باردة، ولم يتقدم لخطبتها مخلوق، عقارب الزمن تنحت رقبتها المدكوكة أساساً، وتكسبها ترهلاً يزيدها دمامة، ويتلون تحت عينيها باللون الأسود المقيت، وتتراكم الأتربة فوق البيانو المغلق في غرفة الصالون، ويفقد مع كل يوم يمر وظيفته كجهاز للعروسة كما فكرت فيه يوماً والدتها، وأقنعت والدها أن يشتريه. لقد أصبحت تخاف غرفة الصالون، فالبيانو يقلب عليها المواجع.. ذلك الصندوق الأسود الذي يشبه في قتامة لونه ورائحته تابوتاً دفنت فيه أحلامها عن حياة عائلية سعيدة، وأطفال تتعلم البيانو على يد مدرس أرميني…لم تلمسه يوماً، وكل محاولات تعليم البيانو بائت بالف

مطار القاهرة

" الأستاذ نجيب رسمي عبد الملاك … نجيب رسمي عبد الملاك، برجاء التوجه لبوابة الخروج رقم ٣ " - لازال تلك الصوت يرن في أذني بعد مرور أربعين عاماً على تلك اللحظات الحزينة الراكدة في قاع الذاكرة، وكأن المرور بتلك البوابات حجر يلقى في مياه الذاكرة فيثير تلك الذكريات دون غيرها، لازالت تلك الكآبة تحيط بي كلما مررت من بوابات الخروج من الوطن، ومع أن المطار قد أصبح مطاراً آخر غير الذي شهد وقائع الرحلة الأولى إلى الخليج، وأصبحت رائحة السوق الحرة مختلفة، وبضائعها مختلفة، بل وأصبحت أطير في درجة رجال الأعمال بدلاً من الدرجة السياحية، وأصبح هناك مغريات كثيرة للسفر، غير التي دفعت المحاسب / نجيب رسمي عبدالملاك إلى السفر للعمل في الخليج، إلا أن المطار لازال يحمل تلك الذكرى المؤلمة بينما جاءت جدتي من المنيا لتودعنا في المطار، وكان علي أن أفارقها للمرة الأولى في حياتي، وانخرطت في بكاء عنيف، نهرني عنه أبي، بينما كان يدافع عن نفسه كي يمسك بالبقية الباقية من رباطة جأشه أثناء إجراءات السفر الحزين. لم يكن لدي فكرة وقتها عما يمكن أن يدفع إنساناً للسفر بعيداً عن وطنه، كنا نعيش في شقة