الوطن والفتة والعيال



إبراهيم موظف مكتب الصحة في المنصورة اللي بيموت في دباديب السيسي وعنده استعداد إنه يضحي بحياته علشانه المفروض أنه بكل موضوعية وإنكار ذات يطلع شهادة ميلاد لطفل أبوه أخوانجي وش وأمه ضاربة تلاتين نقاب فوق بعض، كذلك لما صحفي محترم ينزل مهمة الجرنال مكلفه بيها، المفروض إنه يقلع الذاتية اللي لابسها، ويتجرّد من كونه محمود الأخواني من طنطا وبيعمل إنترڤيو لواحد من اللي نزلوا تلاتين يونيو علشان يطلعوا دين أم الأخوان وبيكرهوهم عمى. ده مش معناه خالص إن إبراهيم لما طلع الشهادة بيساعد الأخوان، ولا إن محمود بيعرّص للإنقلابيين، ده معناه إن كل واحد بيشوف شغله بعيد عن تسييس الحياة والعيشة واللي عايشينها.

قبل ٢٥ يناير كان عندنا مشكلة إن الناس عالقهاوي وفي البيوت مالهاش سيرة غير الكورة، ومافيش حاجة تهمها ولا تحركها غير الكورة، بعد ٢٥ يناير، وبالذات بعد ٣٠ يونيو الناس اتهبلت عالسياسة لدرجة إن حتى العشاير والقبايل والعيلات اتقسمت ما بين أخوانجية وبيحترموهم وانقلابيين وسياساوية، ناهيك طبعاً عن الأوصاف الباقية بتاعة العملا والخونة والطابور الخامس والجواسيس واللي بيقبضوا باليورو والدولار. مش بس كده، ده الناس بقت تحاكم بعض وتتخانق مع بعض وتقاطع بعض علشان فلان ما بيفهمش، وعلان أخوانجي عرص، وترتان ما يتآمنلوش أصله بيتفرج على أحمد موسى وتوفيق عكاشة. 
الناس من حرمانها من السياسة طول السنين اللي فاتت، أول ما شمت ريحتها اتهبلت، وبقت تدخل السياسة في المشاكل الإدارية والقضائية في الدولة، واللي عمل كده على فكرة مش السيسي ولا مرسي ولا الثورة .. اللي عمل ده عقود من تسييس القضاء وتسييس السلطة التنفيذية علاوة على التسييس الطبيعي للسلطة التشريعية ممثلة في مجلسي الشعب والشورى اللي كان مكوّش عليها الوطني.. النتيجة إن الأخوان ابتدوا كجماعة سرية تحت الأرض يشتغلوا على اختراق البنى الأساسية للدولة لمدة طويلة جداً، وما ظهرتش النتايج واضحة جلية إلا بعد ما مسكوا، وافتكروا إن الأوان آن إنهم يطلعوا فوق الأرض ويشغّلوا الخلايا النايمة.. ساعتها شفنا الأخوين مكي، وشفنا التصريحات المريعة بتاعة البقاء للأقوى، شفنا إزاي إن النايب العام كان بيدي تعليمات لرجالته في النيابة ياخدوا مواطنين استجوبتهم عناصر الأخوان، من غير ما يعدوا أساساً على السلطة التنفيذية ممثلة في الداخلية، شفنا إزاي إن محمد مرسي شخصياً كان عايز يختصر الدولة ومؤسساتها في ديوان المظالم، ويسكّت الجيش والشرطة بالمميزات اللي باقية لهم حتى مع اندلاع الثورة، ومع تاريخ المواجهة بين الأخوان والجيش والأخوان والداخلية. حتى إن الدكتور الراحل فريد اسماعيل اللي مات في السجن من كام يوم كان بيطالب بمضاعفة مرتبات الجيش والشرطة أربع أضعاف.. الدولة لما كانت ملك الأخوان كان الأخوان فاتحينها على البحري من سينا للمقطم، والجيش والشرطة حسنتهم محفوظة إلى حين.. دلوقتي لما الدنيا رجعت في حجر الجيش .. الجيش مش الحزب الوطني ورجالته.. كله عايز يقدم فروض الطاعة والولاء بإنه ينتقم من أي حد ضد النظام الحالي، أي حد ضد الجيش، وهنا اللعبكة، فيه ناس تقول لك إن الحزب الوطني هو اللي رجع مش الجيش، وناس تانية تقول لك لأ ده الجيش مستني على رجالة الوطني لحد ما يخلص من الأخوان الأول، وناس تالتة تقول لك ما أصل الجيش والحزب الوطني بينهم علاقات مصاهرة وأعمال وطيدة، ومايقدروش يخلعوا من بعض في يوم وليلة، وهمه الاتنين عبارة عن الثورة المضادة.. 

كله بيفت في الفتة، وتفضل مشكلة إبراهيم ومحمود إنهم أطراف في صراع مش بتاعهم أساساً، والدولة بصرف النظر عن مين اللي قاعد فوق على الكرسي لازم تمشي، ولازم تشتغل، وشهادات الميلاد لازم تطلع، والصحافة والإعلام لازم ينضفوا علشان الناس تقدر تاخد معلومات موثوق منها، وتحدد على أساسها اختياراتهم وقراراتهم، وده من مصلحة صانع القرار البيج بوس مش ضده، وكل اللي شايف إنه يعمل لمصلحة البلد كل ما يعلي صوته، ويطنطن، ويغني بشرة خير وتسلم الأيادي وينتقم من أي حد مربّي دقنه أو أي واحدة منقّبة بإنه يحط لهم العقدة في المنشار، ده على المدى الطويل مش هيخلي فيه بلد من الأساس.

السياسة كوم، والدولة كوم، والوطن كوم، ومرسي والسيسي ومبارك واللي قبليهم كوم تاني، الوطن حيفضل لعيالنا، إنما كل الشباب الحلوين دول وأنا وحضراتكم رايحين في التراب بكره ولا بعده..علشان كده اللي همّه على عياله يقعد يفكّر مع نفسه: هيطلعوا إزاي بني آدمين وحواليهم كل الكراهية دي.

Comments

Popular posts from this blog

سوسن

الفيسبوك - الحلقة الثانية

حكاية حمادة