سميحة
كانت تضع على وجهها الكثير من المساحيق، وتلبس كعباً عالياً يرفع مؤخرتها ويجعل مشيتها مميزة في شارع شبرا كلما خرجت إلى محل عملها في مصلحة الكيمياء أو لتقضي بعض حوائجها، لكنها كانت تقتصد في مساحيق التجميل حينما تذهب إلى الكنيسة، ومع ذلك فإن عينيها كانت دائماً ما تفضحها بالرغبة التي تتأجج مع كل عام يمر دون زواج. لا تصدق سميحة أنها أتمت الخمسة والثلاثين دون أن تتزوج، لم تصدق منذ خمس سنوات أنها تدخل العقد الرابع بسرعة واندفاع، بل ومرت خمس سنوات طويلة وحيدة باردة، ولم يتقدم لخطبتها مخلوق، عقارب الزمن تنحت رقبتها المدكوكة أساساً، وتكسبها ترهلاً يزيدها دمامة، ويتلون تحت عينيها باللون الأسود المقيت، وتتراكم الأتربة فوق البيانو المغلق في غرفة الصالون، ويفقد مع كل يوم يمر وظيفته كجهاز للعروسة كما فكرت فيه يوماً والدتها، وأقنعت والدها أن يشتريه. لقد أصبحت تخاف غرفة الصالون، فالبيانو يقلب عليها المواجع.. ذلك الصندوق الأسود الذي يشبه في قتامة لونه ورائحته تابوتاً دفنت فيه أحلامها عن حياة عائلية سعيدة، وأطفال تتعلم البيانو على يد مدرس أرميني…لم تلمسه يوماً، وكل محاولات تعليم البيانو بائت بالف...