الخروج من الجنة

وهكذا خرجت من جنة "الفيسبوك" إلى فضاء الشارع الواسع، مغضوب عليا، منفي، مطرود.. 
حاجتين فكرت فيهم اليومين اللي فاتوا دول.. 
أول حاجة فكرت في فترة من فترات شبابي لما كنت عايش في مدينة بطرسبورغ العظيمة. أول سنة عشت في المدينة الجامعية، وبعدين تلات سنين عشت في شقة مع واحدة عجوزة وابنها، وبعدين آخر سنتين عشتهم لوحدي تماما، في شقة مكونة من أوضة واحدة. كان فيها ميزتين..
الميزة الأولانية ما كانش فيها تليفون، والميزة التانية ما كانش فيها تلفزيون.
في الأول كنت مخضوض، ومش قادر أتخيل هاعيش كده إزاي. بس اكتشفت ميزة رائعة في المكان.. 
أولا ما حدش بيقتحم خصوصيتك إلا الأشخاص القريبين منك جدا، لإن أي حد هيخبط مشوار لحد عندك، عارف إنك ممكن ما تبقاش موجود، وبالتالي هيسيب لك رسالة في الباب. وتاني حاجة الانعزال عن العالم الخارجي في زمن الحرب على الشيشان، والتغيرات الكبيرة اللي كانت بتحصل روسيا/الاتحاد السوفيتي والعالم في الوقت ده، كانت نعمة كبيرة ما عرفتش قيمتها إلا بعدين.
بعد ما رجعت مصر، قررت إني أكمل في السكة دي.. من غير تليفون ومن غير تليفزيون، وقدرت على التاني، إنما ما قدرتش على الأولاني طبعا.. في مصر، من غير تليفون أرضي؟! اتجننت؟
بس عشت من غير تليفزيون لحد سنة 2001، صمدت، وكنت في غاية السعادة.. لحد ما ولاد الحلال ضحكوا عليا وقالوا لي إني محتاج التليفزيون، علشان ما ينفعش أعيش من غير ما أعرف إيه اللي بيحصل حواليا. 
وقد كان .. جبت مش بس تليفزيون، ركبت ديش كبير، بقى بيجيب لي البي بي سي، والقنوات الروسي، وكافة شيء، وبقيت عارف كل حاجة.
عمري ما نسيت الليلة الأولانية أول ما جبت تلفزيون. 
ليلتها نمت وحش لأول مرة من خمس سنين. لأول مرة دماغي تبتدي تشتغل وأنا نايم، وما أنامش بنفس العمق اللي كنت بانام بيه قبل كده. وذهبت الطمأنينة للأبد.

الحاجة التانية اللي فكرت فيها، وهو إني غالبا اتطردت بسبب تقارير اتبعتت من لجان ما، ما عنديش أي تصور ممكن تكون من أي اتجاه، بس الفكرة نفسها مرعبة. بمعنى إن الفيسبوك عمره ما هيطلب منك جواز سفرك، ويتأكد من هويتك، ويقفل حسابك إلا لو كان فيه تراكم تقارير، مش تقرير ولا اتنين يعني. 
وده يوريك سلطة الأغلبية (أي أغلبية) ممكن تعمل إيه في أي نخب على أي مستوى. بمعنى من وجهة نظري أنا مش شايف أي انتهاك للقوانين أنا عملته، لا حرضت على كراهية ولا على عنف ولا كفى الله الشر على إرهاب.. أومال إيه؟
في ظل قوانين الفيسبوك، لو قدرت تجمع عدد كذا تقرير في شخص معين، ممكن تهاجم الشخص ده وتخلي فيسبوك يعتبره خطر على المجتمع. وحتى الشخص اللي هيراجع التقرير يبقى متلبش وهو بيراجعه، لإن هذا الشخص له وجهة نظر مخالفة لعدد كبير من الناس، شايفينه خطر على تقاليدهم أو عاداتهم أو دينهم أو أمنهم أو مجتمعهم.
وهو كذلك. 

الحاجتين دول مخلييني متحمس جدا لفترة جديدة من التركيز، والهدوء، والكتابة.. مش عارف عن إيه، بس عندي رغبة في الكتابة، براحة ومن غير وجع دماغ، حتى ولو من غير قراء. أنا عايز أكتب لنفسي.

Comments

Popular posts from this blog

سوسن

الفيسبوك - الحلقة الثانية

حكاية حمادة