التسوّل

"...أطلقت الأم أولادها الثلاثة في الإشارة، فجلس أحدهم بجانب الرصيف على الأسفلت معرّضاً نفسه للدهس، وانطلق آخر بحمية يعرض على المتأففين من أصحاب السيارات الفاخرة مناديل عليها علم جمهورية مصر العربية، بينما مرّت صغيرتهم الجميلة (7 سنوات) بخرقة قذرة بالية، تتسوّل بنظرات وديعة رائعة، وتقتنص بحدسها المدرّب، وعينيها العسليتين، أعين المذنبين من سائقي السيارات الفارهة، ممن يعكّر مزاجهم ويؤذيهم ذلك المشهد لا لشئ إلا لأنه يذكّرهم بالواقع بعدما حلقوا ساعات في وهم الحلم الاستهلاكي داخل مجمع المحلات التجارية (المول) شديد البذخ، يذكّرهم بالحقيقة التي يوصدون أمامها أبواب منازلهم، ويضعون السلاسل والجنازير حتى لا تلتهمهم، ويرفعون زجاج السيارات ويسمعون أغان عاطفية، أو صاخبة، أو قرآن بغرض الهروب منها...يهربون من ذلك الشبح الذي يتجسّد حقيقة، ويزداد حضوراً مع كل يوم جديد في ثورتنا المجيدة" Photography: Richard Messenger حينما تتجول في القاهرة الحرة، بعدما استعاد الشعب أجزاءً حيوية من وطنه المسلوب، يدهشك كم الباعة الجائلين، والمتسولين، والشحاذين. وتدرك بطبيعة الحال، أن أولئك لم يظهروا بالأمس،...