مثلية الوزير

طالما كرهت الرجال المتشبثين بقطار الزمن المتحرك في اتجاه واحد بحتمية لاينكرها إلا جاحد غبي، لعلهم يظنون أن شعرهم الفاحم المصبوغ بصبغات فرنسية باهظة الثمن يجعل الجماهير تصدق أنهم شباب للأبد...


وبنفس كيفية ظهور التنين حسني مبارك عشية الأول من فبراير، كي يستثير عاطفة الشعب المصري الطيب العظيم، الذي تؤثر فيه الصورة والكلمة، قرر وزير الثقافة السابق فاروق حسني، وبعدما تأكد من براءته أمام أجهزة الدولة القضائية، أن يظهر نفس الظهور العاطفي الصادق(أن يتحدث حديث القلوب – الكلمة المفضلة للرئيس المخلوع)، ويفتح قلبه للقارئ والمشاهد والمتصفح، ومع كل كلمة كان يقولها كان ضغط دمي يرتفع، ولم أدري إلا وأنا أبدأ الكتابة عنه وعن الوزارة حيث أنني كنت شاهد عيان على بعض الإنجازات، التي تحدث عنها معالي الوزير السابق.

يقول سيادته أنه نأى بالثقافة والمثقفين، ويعتبر نفسه واحد منهم (وله كامل الحق في ذلك)، عن الحزب، فقد خاف عليهم من التدجين، وما فعل ذلك إلا احتراماً للثقافة والحرية (يا ضنايا!)، ذلك أنه لا ينبغى للكاتب أن ينتمى إلى حزب، أى حزب. مكان المثقف الدائم على يسار السلطة (والنبي يا جدعان اللي عنده شمسية يسلفها لي، لحسن إرهاصات الباشا الوزير بتطرطش على وداني). والسؤال هنا يطرح نفسه عن زملائنا من المبدعين المنتمين لحظيرة الدولة، والذين كانت تفتح لهم خزائن الوزارة عن آخرها دون رقيب أو حسيب. وكانت المكافآت والمرتبات والرحلات حدث ولا حرج، بينما تجلس البقية الباقية من أبناء الثقافة غير الشرعيين خارج الحظيرة، دون ملجأ أو ساتر.
ويتابع معاليه أن أى فساد وأى استثمار أثناء 23 سنة من تقلده المنصب كان في إطارالملايين وليس الميارات، والفساد فساد موظفين لا قيادات على حد تعبيره، ولم تكن فى الوزارة قضية فساد واحدة. أما مسألة الاستثمار، فكل ما يمتلكه الوزير هو حصة بسيطة فى أحد المراكب (طيب أنا راضي بذمتك يا بورياض يا اسكندراني، الشخر في الحالات اللي زي دي يبقى عيب، ولا ما يصحش برضه يا ابن الناس يا متربي؟!). وأود التذكير فقط بأن ميزانية القاهرة التاريخية كانت تسعمئة وخمسون مليون جنيه مصري فقط لا غير، يتحكم فيها شخص واحد أحد إسمه أيمن عبد المنعم (يقضي فترة حكم لمدة عشر سنوات بتهمة الرشوة)، وينجز الأعمال جميعاً بالأمر المباشر(ويبدو أن ذلك كان السر وراء فعاليته)و مهما كانت فعالية وقدرة أيمن عبد المنعم، فهل وضع كل البيض في سلته من القرارات الصائبة التي يفتخر بها معالي الوزير؟
وكانت علاقته بالهانم (سوزان مبارك) متوترة في السنوات الست الأخيرة، وأرى أن لفظ الهانم في حد ذاته هو مذلة مهينة لكل أركان النظام السابق، فمعنى وجود هذا اللقب بكل ما يحمله من ميراث تركي، وكل ما كان يحمله من ثقل سياسي مؤثر على شتى مناحي الحياة، هو عوار وخلل واضح في النظام الجمهوري الذي أقسم رئيس الجمهورية السابق على الدفاع عنه. لقد كانت رعاية الهانم كافية لفتح أبواب التمويل الداخلي والخارجي على مصراعيها، وكان وجود الهانم في حفلة من الحفلات يحتم وجود السيد الوزير السابق، ومعه حاشية من مقربيه، ومقربيها، وجمعية مصر الجديدة، وسيدات الحزب، وكان المسرح الكبير في دار الأوبرا المصرية يمتلئ عن آخره دون الحاجة إلى دعاية تذكر (1200 مقعد)، وفي ظرف يوم واحد بمجرد الإعلان عن أي فعالية تزورها الهانم.

كذلك فإن سيادة الوزير لا يقارن نفسه بثروت عكاشة، بل أنجز ما يفوق إنجازات ثروت عكاشة، ولا يضاهيه أحد حتى عصر محمد علي. وهنا لابد من إعطاء فاروق حسني حقه في إنجازاته الفعلية في مجال الآثار، والمتاحف والمهرجانات. ولكن نظرة إلى آلية عمل معظم المهرجانات والمسابقات والجوائز، يمكن بسهولة تتبع ظواهر الشللية البغيضة، والفساد السرطاني المستشري. كما أن نسبة الأموال المهدرة إلى نسبة الإنجازات خيالية. والحديث عن أسعار لوحات الفنان فاروق حسني، يدعو للدهشة إذا ما التزمنا حدود الأدب، وحسن الظن. وبصدد اللوحات، ولا أقلل من قيمتها بأي حال من الأحوال، فإن إعتزاز الوزير الفنان بها وبقيمتها، وحديثه عن أن من يقدرها يفهم (وكأن الجزء المتبقي من الجملة أن من لا يقدرها ولا يقدر الفن التجريدي "ما بيفهمش")، ما هو إلا استمناء ثقافي لا يليق بشيخ حكيم تجاوز سنه السبعين عاماً.

وعن اليونسكو، فحديثه عن تسلط اللوبي اليهودي على المؤسسة من ناحية، وما أسماه "دومينية" المؤسسة، فإنه كان يعلم ذلك من البداية، وموافقته على قواعد اللعبة من البداية، ثم البكاء بعد الخسارة، أمر لا يليق بالنبلاء. وهنا افكر في أمرين: الأول هل كان سيادة الوزير السابق ليقول نفس الكلمات إذا ما كان قد فاز بالمنصب، والثاني أنه صرح في أحد تصريحاته النارية أنه مستقيل من منصبه في وزارة الثقافة المصرية إذا لم يحصل على المنصب الدولي، بينما عاد إلى القاهرة يتوعد الصهاينة واليهود، وكأنما عاد إلى مقعد الوزارة في القاهرة لينتقم ممن منعوا عنه منصب اليونسكو (ألا يدخل ذلك في بند العبث؟).

وعن القرارات غير الصائبة التي لم يتخذها سيادته مطلقاً، فالكلمة في حد ذاتها مدعاة للرثاء. فأن تكون في السبعين، ولا تندم مطلقاً على أي قرارات اتخذتها في شبابك، أو في رجولتك، أو حتى في حكمة شيخوختك، فتلك مأساة إنسانية تدعو للدراسة.

ونهاية فإن موضوع وصمه بالمثلية الجنسية (ولو كنت معترضاً على السؤال في حد ذاته)، فإن أجابته مؤسفة في كلا الحالتين، فإذا كان مثلياً ويكذب علينا بأنه تزوج مرتين، ولم نعرف لذلك أثراً في يوم من الأيام، فذلك مؤسف، وإذا لم يكن مثلياً وتم ترويج ذلك طوال الوقت بواسطة ماكينة الشائعات في الحزب الوطني بقيادة موافي (صفوت الشريف) الشهير بوظيفة القوادة في عملية الكونترول المثبتة في سجلات المخابرات العامة والنيابة، فذلك أمر يدعو للحسرة على واقعنا المزري قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير.

أقول أنني أكره المتشبثين بسواد الشعر (مبارك، سليمان، الشريف، حسني) والمتصنعين القوة المطلقة، والصواب المطلق، والشباب المطلق، والفن المطلق...ارحلوا وانتهوا فقد ولى زمنكم، وانتهت لعبتكم، ولم يعد وجودكم بيننا سوى دليل محزن ومخجل على العلاقات غير الشريفة وغير الشرعية التي أوجدتموها بين الشعب والحكومة، بين الشعب والحزب، بين المثقف والحزب، بين المثقف والحكومة، بين المثقف والشعب...

Comments

  1. إن براءة فاروق حسني أمام أجهزة الدولة القضائية لهي أكبر مؤشر على خطورة ما نحن مقدكون عليه، ولولا خشية لومة لائم لادعيت أن مبارك وأبناءه ليسوا سوى كبش فداء وفرقعة نارية بينما يهرب آخرون. لا يحتاج الأمر لخبير اقتصادي أو حتى عامل في وزارة الثقافة لإدراك أن الوزارة قد تفوقت على مثيلاتها في معدلات الفساد، مع رئيسين لصندوق التنمية الثقافية بتهم فساد، ورواتب عاملين تفوق ثلثي ميزانية وزارة بها قطاع إنتاج ثقافي وقطاع آخر للمعارض. الأمر فاق حد الفساد ووصل إلى السرقة العلنية مع ضياع اللوحات وتدهور المتاحف وتدمير القاهرة القديمة. الأمر شديد الخطورة وربما كان بالأحرى أن نبتدع للوزير المبدع اتهامات تناسب إبداعه.

    ReplyDelete
  2. معك دائما برؤية الجزء الفارغ من الكوب مع تمنياتى لك بمواصلة الكفاح والتوفيق

    ReplyDelete
  3. الناس دى بتصيبنى بحزن شديد : اكيد بعد فترة مش بيعرفوا هم مين من نراكم الكذب و الادعاء . الوزير " الشاب " ممثل " المثقفين" اخد باله دلوفت بس انه مظلوم يا حرام ؟ و طبعا كان مستحمل الظلم علشان مصر... مش علشان جبان : مثلى و الا مثلك ايه اللى فتح الموضوع من اصله ؟
    يهمنى ان جهاز الكسب غير المشروع برأه بناء على " ان دخله بتناسب مع ما يكسبه " و طبعا من اعماله الفنية العظيمة اللى لم تقبل فى كريستيز لندن انما قبلت فى كريستيز دبى و اعلاها ثمنا كان ب 13 الف دولار ... ده له سبب : ان شراء لوحاته العظيمة هى رشاوى مقنعة لان من المتعارف عليه ضمنا دوره فى تسويق اعمال رواد التصوير المصريين و تكتمه على استبدال اللوحات الاصليه بأخرى مزورة و اشياء اخرى كثيرة للامراء ة الاثرياء العرب.
    فين بقى التحقيق فى الفساد الادارى و المالى فى وزارة الثقافة على مدى ال 20 سنة اللى فاتوا : مسارح مصر و القاهرة ان لم تتوقف بحريق فتوقفت من الكتمة و التراب ... فاضل كم مسرح فى القاهرة ؟ حتى مسرح العرايس مقفول .... ايمن عبد المنعم و الاثار و شركات الترميم اللى كانت بتسند الاعمال من الباطن لنقاشين درجة عشرة بيلغوصوا النقوش و الرسومات مستنقع غير طبيعى للفساد الذى لا يمر بدون توقيع الوزير فى كل المناقصات و صرف الدفعات... و حيطة الجامع الازرق اللى اختفت و بوابة مسجد البيرقدار و غيرهم و غيرهم .... هو الفساد فلوس ؟ الفلوس ابسطهم : مصر التقدير بتاعها فى اليونسكو بعد نيجيريا ... احنا اتشال مننا 3 مواقع كانت محمية من اليونسكو و ده شىء ماحصلش حتى فى القدس الشرقية .... و كله معروف و على عينك يا تاجر
    حاجة تسد النفس....ز و فى الاخر يقوللى مثلى : لا بقى لا مثلى و الا عاوزة ابقى مثلك :(

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

سوسن

الفيسبوك - الحلقة الثانية

حكاية حمادة