آسفين يا عمرو...

الحقيقة أن كلمات العنوان سليمة وصحيحة، وتحمل معنى الأسف للإستهانة بكلمات الملحن والمغني عمرو مصطفى، وطبعاً لا ينطبق ذلك على ما ذكره من "هلفطة" هلامية حول زويل ومحفوظ وبيبسي و125 إلخ، ولكنها تحمل معنى الأسف لأن ما وصل إلي، وأعتقد أنه وصل إلينا جميعاً أن عمرو مصطفى لا يعدو كونه فناناً ضحلاً لا يمثل سوى نفسه، أو جيلاً من المراهقين ممن يعانون فقراً في الثقافة وضحالة في الفكر، وضحكنا كثيراً على كم المغالطات والتأويلات السخيفة لما حدث في جمعة الغضب، والتي كان الفنان يطلقها في حماس وحمية يحسد عليهما واعتبرنا كل ذلك "إفيهات"، أو غباء سياسي يستحق السخرية. ولكنني اليوم وبعد جرعة شديدة من التفاهة والضحالة من شخص يشغل منصباً في هيئة التدريس بجامعة حلوان، وبعد جرعة أشد من الدكتورة لميس جابر وتصريحها بشأن تقويض هيبة الدولة جراء محاكمة الرئيس المخلوع، وبعد برنامج لميس الحديدي مع عفاف شعيب بطلة كوميديا الريش والبيتزا أثناء الثورة، ونهاية بعد العودة للتحقيقات التي تمت مع مدير المخابرات العامة المصرية السابق اللواء عمر سليمان. بعد كل ذلك توصلت لقناعة راسخة أن هناك تياراً واضح المعالم، منسق، ومحدد الاتجاه، بتحويل دفة الثورة نحو المؤامرات الأجنبية، والعمالة....مرة أخرى تظهر الأجندة والمندس ووجبات كنتاكي على السطح، وبنفس الآلية القذرة، والمصطلحات البليدة، والخيال العاطل.
بالفعل لم يكن عمرو مصطفى مبدعاً كما ظننا، كنا نظنها مؤامرته، أو كلماته، أو خياله أو إبداعه، لقد اقتصر إبداع الملحن المسكين على الأهداف السياسية لمنح جائزة نوبل للأديب العبقري نجيب محفوظ والتي تتلخص في تأليفه "قصيدة" قال فيها "إن مافيش دين"، وكذلك إبداعه في جزئية أهميته بالنسبة للشعب المصري أكثر من زويل ومحفوظ. أقول أن إبداعه اقتصر على بعض الحديث، بينما كان الجزء الأكبر من الفكر التآمري الذي رآه الجميع سخيفاً، كان من إبداع أجهزة أمنية عتيدة، وبتنسيق مع عدد من الشخصيات على اختلاف مستويات تفكيرها، واختلاف درجة استيعابها. فجاءت النتيجة مروعة...
صباح اليوم خضت نقاشاً عقيماً مع دكتور في جامعة حلوان حاول أن يقنعني أن إعلان مبارك بعدم الترشح، وتعيين النائب أكسبه تعاطف أعلبية الشعب المصري (وقد يكون محقاً في ذلك)، ولكن ذلك ".. لم يعجب عمر عفيفي وشباب 6 ابريل ممن قبضوا ثمن ثورتهم من امريكا فنفذ عمر عفيفي وعصابته عمليات قنص للمتظاهرين وافتعلوا موقعة الجمل حتى يستمر التظاهر وتزداد المطالب فمن قتل المتظاهرين بشهادة الخضيري انهم ليسوا من الشرطة ولكنه قال انهم قناصة واعلن انهم من الحزب الوطني ولكنهم لم يكونوا كذلك فهم من رجال العقيد عمر عفيفي المقيم في امريكا "
ويبدو أن الدكتور المحترم لم يكن متابعاً لخالد سعيد أو بيان الداخلية بشأن خالد سعيد، ولا شرارة الثورة التي انطلقت في الاسكندرية قبل أحداث يناير بثمانية أشهر، بل قل أنه لم يتابع ظهور حركات "كفاية" أو أحداث المحلة أو ظهور حركات "6 أبريل" و "شايفينكو" وانتهاءً بـ "كلنا خالد سعيد" ...واكتفى الدكتور بجامعة حلوان أن يردد كما الببغاء مثلما لقنوه في أمن الدولة بأن عمر عفيفي هو مفجر الثورة، ويقبض الدولارات لكي يقوض نظام الحكم في مصر لصالح أمريكا وإسرائيل على حد تعبير عمرو مصطفى، أو لعل الدكتور وأعوانه وأمثاله يعملون طواعية بحس أمني تقليدي ظناً منهم بأن "آسفين يا ريس" هو طريق السلامة، و "التغيير" و" الحرية" و" العدالة الاجتماعية" هي طريق الندامة..
إن أي طالب في المرحلة الثانوية يستطيع دون مجهود يذكر بمتابعة فيديوهات العقيد عمر عفيفي، أن يدرك حقيقة هذا الرجل، ودوره الوهمي في الثورة المصرية، وخططه الساذجة، وتصريحاته النارية وهو يجلس محمياً متدثراً على أرض أمريكية، و لم يكن هذا الرجل يوماً يمثل أي رمز للثورة بالنسبة للمتابعين والمشاركين، وحتى بالنسبة للهواة.
يتابع الدكتور: "فلماذا لم يسقط اي شخص من شباب 6 ابريل او من شباب كفاية ولكن من سقط هم ناس عادية ملهاش لا في الثور ولا في الطحين" ولا تعليق هنا على هذا السخف لفرط سخافته...بل ويتمادى ويخوض في أنبل وأطهر ما في الثورة وهي دماء الشهداء، الخط الأحمر الذي بدأت الفلول الآن في الخوض فيه دون حياء أو ضمير: "...ومن ادراك ان هذا الشاب قتل ولماذا لا تشك انه اخذ طلق مطاطي وهيئ له انه رصاص حي وسقط على الأرض..." ويتابع أن الثوار تدربوا على أشياء مهمة في صربيا وأمريكا، من ضمنها "..تصوير الأحداث وكيفية التركيز على الهدف واستفزاز الشرطة لكي تقوم بافعال ضد حقوق الإنسان ثم يتم تصويرها واستغلالها في خدمة الثورة واثارة الشعب وجذب تعاطفه معهم...هؤلاء شباب مدربين ولديهم القدرة على تصوير مثل هذا المشهد وافتعاله بكل هذه البساطة، واستغل مفجري الثورة ( اللي قابضين دولارات ) مشاكل الناس وفقرهم وافتعال قضية خالد سعيد في تحريك الجماهير ولكن سرعان ما تتغير المطالب دون ان يدري المشاركين من الناس العادية سر ازدياد المطالب ويتم اقناعهم عن طريق اللعب على مشاعرهم وشهداء الثورة الذي تم قتلهم عن طريق نفس مفجري الثورة 6 ابريل واعوانهم"
ويغالط الدكتور الذي يشعر المرء بمنتهى الأسى لطلبته الذين ينهلون "علماً" من شخص على هذا المستوى من الثقافة والأخلاق والضمير، فيقول أن "الرصاص المطاطي والخرطوش من المفروض انه لا يقتل الناس ويستخدم في كل دول العالم لمكافحة الشغب..." والمتابع لمظاهرات لندن الحالية، والتي تتضمن تجاوزات لا تقارن بسلمية المظاهرات المصرية الحضارية الطابع، لا يجد أي رصاص مطاطي أو خرطوش...بينما يضرم المتظاهرون النار في المنشآت والممتلكات العامة.
ثم تجئ القنبلة، حينما تواجه السيد الدكتور بقضية القناصة الذين قتلوا المتظاهرين، فيكرر نفس سيناريو عمرو مصطفى: "مين بقى القناصة دول انت تقدر تجزم من هم؟؟؟؟؟؟؟؟ الله اعلم هم تبع الداخلية ولا تبع عمر عفيفي ولا تبع 6 ابريل واعتقد ان مفيش ولا واحد مات برصاص القناصة من 6 ابريل طيب ليه؟!"
تقرأ الغثاء الذي ينفثه الدكتور فتعلم أن هناك تياراً يتحرك بيننا، يهدف إلى تحويل الثورة من ثورة شعبية قام بها الشعب المصري الحر، إلى مجرد مظاهرة شعبية استغلتها أجندات خارجية ذات عملاء داخليين يقبضون بالدولار (ولعلهم يحصلون على وجبة كنتاكي)، وقادت جموع الشعب الساذج الأبله إلى الميدان ليطيح برمز الدولة الأب والقائد والزعيم والفرعون مبارك رضي الله عنه...
نتابع معاً جذور ذلك التيار فنسمع في تصريحات الدكتورة لميس جابر أن محاكمة مبارك هي مساس بهيبة الدولة، وأن مستشفى شرم الشيخ ليس به سخان وتكييف، ومحاولات بائسة لفرض حالة مختلقة من الرثاء لذلك المريض المسكين الذي رأيناه وراء القضبان، ولايزال متهماً لم تثبت إدانته بعد...ونقول هنا أن مبارك قد ثبتت إدانته بعد أن باع الشعب بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، لقد باعنا مبارك لأصدقائه وزملائه وأصدقاء ابنه وزملائه، باعنا لأمريكا ولإسرائيل ولكل من استطاع أن يدفع حتى استرخصنا العالم، وأصبحنا سلعة بائرة في سوق الأمم..
أما عن أصل ذلك التيار فنلمحه في تحقيقات اللواء عمر سليمان الذي يقول بالحرف الواحد أنه " فى يوم 27 رصدت معلومات الجهاز وجود اتصالات بين عناصر من الإخوان المسلمين وعناصر من حركة حماس بغزة، وفهم من هذه الاتصالات أن جماعة الإخوان المسلمين ستشارك فى مظاهرات يوم 28 التى سميت جمعة الغضب، كما رصدت عناصر الجهاز وصول مجموعات إلى مصر يوم 28 وشوهدت بعد صلاة الجمعة يوم 28 فى ميدان التحرير...." ونشرت تلك التحقيقات جيهان عبد العزيز في المصري اليوم بتاريخ 14 يوليو 2011، حيث يتابع رئيس المخابرات السابق أنه ".. لم تصدر أى أوامر أو تكليفات من أى جهة، حسب معلوماتى لقوات الشرطة بإطلاق أعيرة نارية على المتظاهرين لأن تفريق التظاهر يتم من خلال استخدام وضع الحواجز والمصدات أو دفع المتظاهرين فى اتجاه معاكس والضرب بالعصا واستخدام غازات مسيلة للدموع أو المياه فإذا فشلت هذه الوسائل يتم إطلاق أعيرة خرطوش فى الهواء أو فى الأرض بجوار المتظاهرين لعمل الرعب وحملهم على التفرق، فإذا فشلت هذه الوسائل فى تفريق المتظاهرين تعين الوقوف عند هذا الحد وترك المتظاهرين فى أماكنهم...."
هل تتفق أي من تلك المعلومات مع الواقع والتاريخ؟ أم هي محاولة لكتابة تاريخ آخر غير الذي حدث؟ أرى أنها محاولة يائسة من أجهزة وأشخاص لم تعي حتى اللحظة ما حدث...وتجند بعض المنتفعين والبسطاء والجهلة وأنصاف المتعلمين للترويج لرؤية أخرى للأحداث، بعد كل ما نشر وصور ووثق...وبعد كل التعتيم على الفضائيات ومصادرة السيديهات والفلاشات وكاميرات التصوير للمراسلين الأجانب...وبعد كل ما تسرب، وبعد كل ما عرفه الجميع في مصر والعالم، تأتي مجموعة من الديناصورات لتقص علينا حكايات سخيفة، وتوهمنا بمؤامرات أقل ما توصف به السذاجة...الفلول تحشد قوتها من جديد بنفس الغباء، وبنفس الصلف، وبنفس التفاهة وتحاول مرة أخرى خداع الشعب العظيم بعد ثلاثين عاماً من الكذب والافتراء.
نهاية أختم بتصريحات اللواء عمر سليمان في التحقيقات رداً على سؤال عن السبب في مقتل بعض المتظاهرين والشروع فى قتل البعض الآخر من جراء إطلاق أعيرة نارية وخرطوش عليهم أثناء مظاهراتهم السلمية؟
 "...معرفش وممكن يكون من العناصر الإجرامية"

الإجابة المنطقية للسؤال الغامض الذي طرحه الملحن المعروف...

"تقدري تقولي لي مين القناصة دول؟"


آسفين يا عمرو...
 
 
 

Comments

Popular posts from this blog

سوسن

الفيسبوك - الحلقة الثانية

حكاية حمادة