محمود - قطار البدرشين


ابقى اكتب لي وطمني عليك...ابعت لي رسالة لما تشحن، أوعى تنسى يا محمود!

هكذا تذكرت تلك الكلمات بمجرد أن استمعت إلى الخبر الأسود، كلمات مقتضبة، عبر خط التليفون، هرعت على أثرها إلى المشرحة، لتجد نفسها بعد ساعات تدفن وحيدها...غريب هو القدر، الذي يحول حياة الإنسان في لحظة تبدو اعتيادية ككل اللحظات، ولكنها تمر عليه وحده دون الناس بشكل مختلف...إن الضابط الذي أبلغها بضرورة الحضور، كان يؤدي واجباً اعتيادياً، سائق التاكسي الذي نقلها إلى المشرحة، كان يعتزم شراء وجبة، والعودة بها لعائلته، وموظفي المشرحة أخفوا ابتسامة، حينما علموا أنها أم القتيل... القتيل...هكذا أصبح محمود.. قتيلاً... ربما شهيداً، ما الفارق.. لن تأنس بحسه بعد اليوم، لن تحس حرارة أحضانه، لن تسمع صوته، لن ترى ابتسامته، لن تقرأ رسائله النصية...هكذا في غمضة عين، تحت عجلات قطار لا يرحم، على قضبان سكة مجرمة ظالمة...سيمنحونها معاشاً، ربما وساماً، ربما سيحضر لواء عزائه. ولكن بيتها اليوم لن يعود أبداً كما كان...

لملمت خلجاته، ولملمت ما تبقى من نفسها، ووقفت تولول مع النسوة في جنازة مهيبة، كانت الحارة تحب محمود، وحتى لو لم تكن تحبه، فالمصاب عظيم، والكارثة مدوية، واستمع الجميع إليها في تلفزيون الحكومة، الذي أعرب عن الأسى والأسف...كما أعرب السيد رئيس الجمهورية أيضاً عن أسفه، وحسرته ولوعته... ولكنه أسف رسمي، وحسرة رئاسية، ولوعة باردة، الرئيس لن تتوقف حياته اليوم، سوف يستمر في يوم عمله كما كان مخططاً له... ليس ذلك فحسب، بل إنه سيستقل موكبه المكون من ٢٦ مركبة إلى بيته في التجمع الخامس، وربما سيضحك لنكتة يقولها السائق أو الحارس... الذين خاف عليهم يوماً من أحجار المتظاهرين...هكذا على ما يبدو جعل الله الناس فوق بعضهم طبقات، هناك الرئيس، وحارس الرئيس، وسائق الرئيس، وهناك محمود... مجرد محمود...سيعود فخامة الرئيس مساء اليوم إلى حضن زوجته لينام في سريره الدافئ حتى الفجر، حيث سيحرص على أن يستيقظ لصلاة الفجر، سيتحدث مع إبنه في السعودية بمجرد عودته، وسيحتضن إبنه وابنته قبل النوم... ولكن أم محمود لن تنام..تماماً كما لم تنم أم خالد سعيد، وأم چيكا، وأم الحسيني أبو ضيف، وكما لن تنام آلاف أمهات الشهداء...

سوف يستيقظ فخامة الرئيس، ويتناول فطوره بينما يقرأ تقارير، وأنباء (قد يكون بعضها عن عشرين محموداً آخرين)، سوف يرد على تليفونات مهمة في الصباح، ثم يزور في الغد أو بعد الغد قطر والسعودية وربما أمريكا حتى يحصل لأم محمود على قوت يومها، ومعاش إبنها الشهيد...ولكن أم محمود لا تريد المال، لا تريد الخبز...

إنها تريد أن يتوقف الرئيس عن الكذب، أن يتوقف عن الخداع، أن يتوقف عن التجارة بدماء وآلام أبناء الوطن، تريد الرئيس أن يفكر في وطنه ومواطنيه لا في جماعته وعشيرته...

هكذا صرخت أم محمود في الجنازة: دماء محمود في رقبتك يا ريس مرسي...محمود ليس بغلة، بل إنسان، وتعثر هنا لا في العراق يا كاذب...يا منافق...يا مخادع

للأخوان: لابد من تحمل المسئولية يا عديمي الأخلاق والدين والإنسانية...

يسقط حكم المرشد

يسقط حكم الأخوان
6


Comments

Popular posts from this blog

سوسن

الفيسبوك - الحلقة الثانية

حكاية حمادة