الأخوان والتمكين


إن عملية إنشاء دولة أخوانية موازية، من خلال تمكين الكوادر الأخوانية من مفاصل مؤسسات الدولة المهترئة أساساً من نظام الرئيس المخلوع، هي عملية عبثية بكل ما تملكه الكلمة من معنى، فالشعب المصري على مر تاريخه الطويل، هو شعب متراكم، يتميز اختلاط أعراقه المتنوعة بالعشوائية، فلا تجد توزيعاً جغرافياً للمصريين وفقاً للعرق أو الدين أو اللون. فماكينة الفرم الحضاري المصرية كانت قادرة طوال الوقت أن تفرم الثقافة الدخيلة، وتدخلها إلى مكونات الثقافة المصرية دون أن تتأثر بها بقية المكونات، ودون أن تطغى على الخليط ثقافة بعينها.

وإذا أردت أن تتأكد، طالع بنفسك ملامح، وجماجم مواطنيك المصريين، ممن يتفاخرون بنقائهم العرقي..القبطي أو العربي أو الجركسي أو التركي، ستجد عجباً عجاب، فهناك الجماجم الأفريقية، والعيون الچركسية الملونة، والشعر العربي الفاحم السواد، والبشرة الداكنة القبطية، وهناك الملايين من الملامح التي تنتمي لكل العالم، فمصر هي سرة العالم، التقت عندها كل الأجناس، وتفاعلت مع بعضها البعض لتنتج هذا المزيج الحضاري المدهش.

لذلك تبدو الجهود الأخوانية الحثيثة لتلخيص المجتمع المصري في الأخوان المسلمين، وتابعيهم من السلفيين، جهوداً مفرطة في السذاجة، واستلهام التجارب الأخرى كتجارب إيران أو السودان أو حتى تركيا هو أمر لا يدل سوى على ثقافة بدوية ضحلة، لا تؤمن سوى بالدينار والدرهم والاقتصاد الحر وقدرته على تنفيذ المشروعات الفاشية، وتلك ثقافة زائلة لا محالة، ذلك أن التوزيع الجغرافي للشعب المصري يؤكد ذلك بما لا يدع مجالاً للشك. فالدول التي انقسمت، وكان من الممكن انقسامها كان من السهل تنفيذ ذلك لأن أصحاب الأعراق المختلفة أو الأديان المختلفة موزعون على نحو متجانس في أراض جغرافية تاريخية، أمكن اقتطاعها من جسد الدولة الحديثة. أما مصر فالوضع مختلف، ولن يحدث ذلك سوى بعمليات تهجير واسعة، لا أظن أن أحداً يمتلك القدرة أو الموارد لتنفيذها، كما أن أحداً في الإقليم أو في العالم لن يتحمل تكاليف تقسيم مصر على المستوى السياسي.
الأخوان المسلمون يرتكبون الخطأ الفادح الذي أنهى حكم الحزب الوطني الديمقراطي المنحل، في تلخيص مصر في مجموعة صغيرة من أصحاب المصالح. وإذا كان التوريث هو القشة التي قسمت ظهر البعير، فلعل التمكين هو نفس القشة التي سوف تنهي مشروع مصرستان.

إن كوادر وخبرات الأخوان من حيث الكم لا تكفي لإدارة دولة قطر أو الكويت ولا أقول مصر، وأما من حيث العقلية والخبرة فيكفي أن تنظر حولك للنماذج التي زج بها مكتب الإرشاد لسدة الحكم، ولا أقول مرسي، بل أقول كل من حوله في الرئاسة، وفي رئاسة الوزراء، والوزراء، والمحليات، يكفي أن تطالع تصريحات قيادات مثل العريان أو الكتاتني أو غزلان أو حتى العقلية الاقتصادية الفذة خيرت الشاطر، وحتى إذا استعانوا بقيادات سلفية، فحدث ولا حرج، ويكفيك أن تشاهد قناة الحافظ لمدة عشرين دقيقة موزعة على أربع برامج، لتتعرف على تفكير وعقلية القيادات السلفية...بالطبع هناك استثناءات، وبالطبع هناك كوادر متميزة سوية ولكنها تظل استثناءاً ولن تكفي بأي حال من الأحوال. لذلك فعملية التمكين عملية محكوم عليها بالفشل، وتحويل دفة دولة بحجم مصر لن يكون على النحو الذي تصوره طموحات الساسة الجدد في تنظيم الأخوان السري "سابقاً".

السؤال هو: هل يزعجنا "التمكين" كما كان "التوريث" يزعجنا؟ خاصة أن الرئيس المصري فاقد الشرعية محمد مرسي، تمكن في أشهر معدودة من تقسيم الشعب المصري على نحو غير مسبوق، ليضع الأخوان في ناحية، وبقية الشعب في ناحية مقابلة، وتمكن من زرع كراهية غير مسبوقة تجاه جماعته التي وضعته في قصر الاتحادية مندوباً عنها. هل تزعجنا مثلاً قضية سيناء؟ هل تزعجنا تصريحات مرسي بشأن مالي؟ هل يزعجنا اهتمام مرسي بقضايا دولية تخص التنظيم الدولي للأخوان المسلمين، قبل الاهتمام بالشأن المصري الذي يحتاج للرعاية والاهتمام بشكل أكثر إلحاحاً؟

Comments

Popular posts from this blog

سوسن

الفيسبوك - الحلقة الثانية

حكاية حمادة