كان ماركس محقاً

مقال  شون مكيلوي
٣٠ يناير ٢٠١٤

كان ماركس محقاً: خمس حقائق تكهن بهم كارل ماركس، تتحقق في ٢٠١٤
من "آي فون ٥ إس" وحتى عولمة المؤسسات الكبرى، تمتلئ الحياة العصرية بأدلة على صحة تنبؤات ماركس

يدور الحديث في الآونة الأخيرة حول ماركس، وتكاد تشتم رائحته في الهواء، بداية من راش ليمبو الذي اتهم البابا فرانسيس بالدعوة إلى "الماركسية الفجة"، إلى الصحفي بجريدة واشنطن تايمز الذي ادعى أن عمدة مدينة نيويورك مايور بيل دي بلاسيو هو "ماركسي غير نادم". لكن قليل من الناس يفهم بالفعل  نقد كارل ماركس الواضح المحدد للرأسمالية. كثيرون يعرفون على نحو مبهم عن التوقع الاقتصادي الجذري الذي توقعه ماركس بأن الشيوعية سوف تحل محل الرأسمالية، لكنهم كثيراً ما يعجزون عن فهم السبب في ذلك. وبينما كان ماركس مخطئاً حول بعض الأشياء، فإن كتاباته (والتي يعود الكثير منها إلى ما قبل الحرب الأهلية الأمريكية) تتوقع بدقة العديد من الجوانب للرأسمالية المعاصرة، من الكساد الكبير وحتى هاتفك المحمول ماركة "آي فون ٥ إس" الذي تحمله في جيبك.
ها هي الحقائق الخمسة في حياتنا المعاصرة في ٢٠١٤ التي توقعها ماركس منذ أكثر من قرن:
١- الكساد الكبير (الطبيعة الفوضوية للرأسمالية)
كانت طبيعة الرأسمالية المعرضة للأزمات، والفوضوية في أساسها عنصراً جوهرياً في كتابات ماركس. فقد أشار ماركس إلى أن السعار نحو المكسب سوف يقود الشركات إلى ميكنة أعمالها، لإنتاج بضائع أكثر وأكثر، والحد من أجور العمال إلى الحد الذي لا يتمكنوا فيه من شراء البضائع التي ينتجونها. وبكل تأكيد، فإن الأحداث التاريخية المعاصرة منذ الكساد الكبير، وحتى فقاعة "دوت.كوم" (فقاعة تكنولوچيا الاتصالات - المترجم) يمكن تأويلها لما عبر عنه ماركس بمصطلح "رأس المال الوهمي" - وهو ما نراه في الأدوات الاقتصادية مثل الأسهم ومقايضة الائتمان الافتراضي. إننا ننتج وننتج للحد الذي لا يصبح هناك من يشتري بضائعنا، لا أسواق جديدة، لا ديون جديدة. والدائرة لا تزال تدور أمام أعيننا: بشكل عام فإن هذا ما تسبب في انهيار سوق العقارات في ٢٠٠٨. عشرات السنين من تعميق فروق الأجور غير المتساوية التي دفعت بمزيد من الأمريكيين للاقتراض. وحينما لم تتبق أي اقتراضات رهن عقاري للتآمر من خلالها، انهار الهيكل برمته، تماماً كما كان ماركس يعلم أنه سينهار.

٢- هواتف "آي فون ٥ إس" (الشهية التصورية)
لقد حذر ماركس من اتجاه الرأسمالية نحو تركيز قيمة كبيرة على البضائع الضرورية والأساسية مع الوقت سوف يتحول إلى ما أسماه " شهية تصورية ملفقة ومحسوبة دائماً ومعقدة وغير طبيعية وتحوي بداخلها تبعية لاإنسانية." تبدو العبارة قاسية، لكنها دقيقة لوصف أمريكا المعاصرة، حيث نتمتع برفاهية مذهلة، في الوقت الذي تدفعنا باستمرار الحاجة إلى أشياء أخرى لنشتريها. راقب هاتفك المحمول "آي فون ٥ إس" الذي يمكن أن يكون بحوزتك. هل هو حقيقة أفضل بكثير من "آي فون ٥" الذي كنت تمتلكه العام الماضي، أو الـ"آي فون ٤إس"الذي كنت تمتلكه العام الذي سبقه؟ هل هناك حاجة ملحة، أم أنها حاجة ملفقة؟ إن المؤسسات العملاقة تقيم حملات إعلانية بأكملها من أجل فكرة أن ندمر بضائع بحالة ممتازة بدون سبب، في الوقت الذي تقع فيه عائلات صينية بأكملها ضحايا لمرض السرطان بسبب نفاياتنا الإلكترونية. لو كان ماركس معنا لأومأ موافقاً.  

٣-صندوق النقد الدولي (عولمة الرأسمالية)
إن أفكار ماركس حول الإنتاج الفائض عن الحاجة قادته لتوقع ما نسميه اليوم بالعولمة - وهي انتشار الرأسمالية عبر الكوكب بحثاً عن أسواق جديدة. "الحاجة إلى سوق للبضائع يتوسع باستمرار ويطارد الطبقة البورجوازية في كل مكان على وجه الأرض." كما قال ماركس. "لابد للرأسمالية وأن تحتضن كل مكان، وتستقر في كل مكان، وتنشئ اتصالات في كل مكان." وبينما تبدو تلك الحقيقة واضحة وضوح الشمس الآن، فإن ماركس كتب تلك الكلمات عام ١٨٤٨، حينما كان يفصله عن العولمة قرن كامل. ولم يكن محقاً فقط في حدوث العولمة، بل كان محقاً  في سبب العولمة: ب البحث المسعور عن أسواق جديدة، وعمالة رخيصة، وكذلك الطلب المستمر على موارد طبيعية إضافية، تلك هي الوحوش التي تتطلب إطعاماً دائماً.

٤- متاجر "وول مارت" (الاحتكار)
تفترض النظرية الكلاسيكية للإقتصاد أن المنافسة خاصية طبيعية، وعليها فهي خاصية مستدامة. إلا أن ماركس طرح أن قوة السوق سوف تؤدي في نهاية المطاف إلى تمركزه في شركات احتكارية ضخمة بينما يقضم السوق بعضه البعض. كانت تلك الكلمات صادمة للقارئ في القرن التاسع عشر، حينما كان ريتشارد هوفستادتر يكتب أن "الأمريكيون توصلوا إلى حقيقة مضمونة أن الملكية سوف تتوزع، وأن القوة الاقتصادية والسياسية سوف تبتعد عن المركزية." كان علينا أن ننتظر للقرن العشرين كي نفهم ذلك، بينما توقع ماركس هذا التسارع نحو المركزية. 
فاليوم استبدلت متاجر "مام-آند-باب" بمتاجر ضخمة بإسم "وول مارت"، واستبدلت البنوك المجتمعية الصغيرة ببنوك عالمية مثل چي.پي.مورجان تشيس واستبدل صغار المزارعون بشركة آرتشير دانيلز ميدلاند. كذلك يتجه عالم التكنولوچيا نحو المركزية، وتبتلع المؤسسات الكبيرة كل المبادرات والشركات الصغيرة بأسرع ما يمكن. ويكتفي السياسيون بالطنطة الفارغة حول لوبي الأعمال الصغيرة، ويعاقبون فقط أعنف الانتهاكات لمكافحة الاحتكار، لكننا نعلم جيداً أن المؤسسات والأعمال الكبيرة جاءت لتبقى.

  ٥-أجور منخفضة، فوائد مرتفعة (الجيش الاحتياطي من العمالة الصناعية)
كان ماركس يعتقد أن انخفاض الأجور سوف يحدث نتيجة لـ" الجيش الاحتياطي للعمال"، والذي وصفه مستخدماً أساليباً اقتصادية كلاسيكية: الرأسماليون يرغبون في دفع أجور أقل ما يمكن للعمال، وذلك يمكن تحقيقه أسهل ما يمكن إذا ما كان هناك عمال كثيرون يحومون بالجوار. مما يعني، باستخدام التحليل الماركسي، أنه بعد الكساد يمكننا توقع أن البطالة المرتفعة سوف تتسبب في ركود الأجور في الوقت الذي ترتفع فيه الفوائد، لأن العمال يخافون بشدة من البطالة إذا ما تركوا أعمالهم بصرف النظر عن فظاعة ظروف العمل، والاستغلال. لعلنا لا نندهش إذن حينما نعلم أن جريدة بوزن "وول ستريت چورنال"  تحذر من أن "انتعاش الولايات المتحدة مؤخراً يبرز بعض الخصائص الماركسية. ففوائد المؤسسات ممتزجة بالدموع، وارتفاع الإنتاجية سمح للشركات بالنمو دون أن تفعل الكثير بشأن تقليل المعدلات الضخمة للبطالة." هذا بسبب أن العمال ترعبهم فكرة ترك وظيفتهم، لذلك لا يملكون أي قوة للتفاوض. وليس من قبيل المفاجأة أن أفضل الأوقات للنمو العادل هي في أوقات "أنخفاض معدلات البطالة"، حينما يتمكن العمال من التهديد بالالتحاق بوظيفة أخرى.


استنتاجاً: كان ماركس مخطئاً بشأن أمور كثيرة. فمعظم كتاباته كانت حول نقد الرأسمالية دون أن يقترح بديلاً لها، مما ترك فرصة لسوء الفهم من مجانين مثل ستالين في القرن العشرين. لكن كتب ماركس سوف تستمر في تشكيل عالمنا على نحو إيجابي أيضاً. ففي الوقت الذي طرح فيه ماركس فكرة الضرائب التصاعدية على الدخل في "المانيفستو الشيوعي"، لم تكن دولة واحدة تطبق هذه الفكرة. الآن فلا توجد دولة تقريباً لا تطبق فكرة الضرائب التصاعدية، وهي طريقة واحدة صغيرة تحاول الولايات المتحدة الأمريكية من خلالها مكافحة تفاوت الدخل. إن نقد ماركس الأخلاقي للرأسمالية، ورؤيته الثاقبة داخل آلياته، وخلفيته التاريخية لا زالت جديرة بالاهتمام. وكما كتب روبرت ل. هايلبرونر "إننا نعود إلى ماركس، ليس لأنه معصوم من الخطأ، ولكن لأنه لا مفر منه." وفي عالم اليوم الذي يحوي ثراءً فاحشاً وفقراً مدقعاً، حيث يمتلك ٨٥ من أغنياء العالم أكثر مما يمتلك أفقر ٣ مليار من فقراء العالم، لا تزال الصرخة الشهيرة "يا عمال العالم اتحدوا، فليس لديكم ما تفقدونه سوى قيودكم" لم تفقد قوتها.

SEAN MCELWEE: Marx Was Right - 30.01.2014

Comments

Post a Comment

Popular posts from this blog

سوسن

الفيسبوك - الحلقة الثانية

حكاية حمادة