الفيسبوك



الحلقة الأولى “ريحة الورنيش”

واحنا مقرّبين كده على شهر والفيسبوك مقفول. حابب أشارك بعض الأفكار اللي راودتني وبتراودني طول الفترة اللي فاتت وأنا بره عالم الفيسبوك الافتراضي. طبعا أول حاجة فكرت فيها لما كتبت كلمة “افتراضي”، هو إن كل اللي باكتبه دلوقتي، والبلوج حتى اللي باكتب عليه، والإنترنت اللي أغلبية شغلي عليه هو كمان افتراضي. بس الفيسبوك الحقيقة هو أكتر حاجة سمّعت في العالم الافتراضي ده، لدرجة إننا بنتكلم النهارده عن 2.45 مليار مستخدم حوالين العالم. بمعنى إن الفيسبوك النهارده بقى منتشر أكتر من المسيحية مثلا (2.2 مليار)، وضعف الإسلام (1.6 مليار). مش قصدي حاجة، بس باتكلم عن انتشار الفكرة، آلية التفكير، الفرمتة (القولبة)، حتى ولو مش على مستوى آليات عمل البرنامج، إنما حتى على مستوى الألوان والخطوط والتصميم وتأثير الحاجات دي على وعي البشر.
بمعنى إننا بنتكلم عن 2 مليار وداخلين على نص مليار عليهم ناس بتتعامل مع بعضيها من خلال “التليفون” ده. مش بس بتتعامل، الناس بتحب وتكره وتعرف وتقوم ثورات وتعمل أحزاب وشركات ومؤسسات وتبيع وتشتري وكل ده وهي قاعدة على الفيسبوك. ليه؟
زمان (وده اللي عرفته ورجعت له بعد طردي من “جنة” الفيسبوك) كان الواحد بيجري يروح حتت، ويبذل مجهود علشان يتواصل، بيدور على تليفونات، بيدور على معلومات، بيسأل عن فلان وعلان وترتان. الفيسبوك جاب لك كل حاجة تحت إيدك، بقيت عارف مين بيعمل إيه إمتى، مين بيفكر إزاي، وبتعرف مين مات، ومين اتولد، ومين اتجوز، ومين طلق. ما بقيتش محتاج ترفع سماعة التليفون تكلم بنت عمتك حكمت تسألها صابر عامل إيه في السعودية، ولا تسأل على قريبك في فاقوس اتجوز ولا لسه، ولا مهجة بنت خالتك هتولد إمتى؟ كوول الناس دي بقوا معاك على الفيسبوك، وحتى لو همه مش من نوعية الناس اللي فاردة حياتها على الفيسبوك، وبتحكي كلت إيه النهارده، وخارجة مع مين بكره، فعلى الأقل هتقدر “ترفع سماعة الفيسبوك” وتكتب لهم كلمتين، أو تكلمهم “فيديو كول” وتشوفهم وتسأل عليهم زي ما انت عايز، حتى لو صابر في السعودية، وقريبك بتاع فاقوس سافر ألمانيا، ومهجة مخلفة يجيلها ست أشهر دلوقتي، وراحت لجوزها في الكويت.
بس مش هي دي القضية بس، الفيسبوك (وده الأهم) علمنا، وعلمني أنا شخصيا حاجات كتير قوي قوي، وبصرف النظر حسابي هيرجع أو مش هيرجع، وليا نصيب أرجع تاني فاعل أو مش فاعل على الفيسبوك، فأنا الحقيقة مدين للأستاذ تسوكيربرغ شخصيا بجزيل الشكر على الوقت اللي قضيته في ضيافة فكرته العبقرية، ومتشكر أكتر على “طرده ليا”، لإن عملية الطرد في حد ذاتها كانت في وقت مهم ومفصلي ف حياتي، وفعلا كنت محتاجها أكتر حتى من الفيسبوك نفسه.
فيه حاجات كده إنت محتاج تبعد عنها، مش بس علشان تعرف قيمتها، إنما علشان تعرف قيمة حاجات تانية حواليك، وتعرف حتى قيمة نفسك، ومكانك الحقيقي في هيكل العلاقات والمجتمع من حواليك.
السبب في ده إن المجتمع ده كله افتراضي، بمعنى إنه بكبسة زر، ولا بقطع الكهربا، ولا التليفون.. ما يبقاش موجود.. خلاص.. بح! بس ده مش معناه خالص إن “إنت” ما بقيتش موجود. إنت هتفضل موجود لأجل محدد، وفاعليتك ودورك بيعتمد على قوة ونطاق تأثيرك في الدايرة المحيطة بيك.
هو ده اللي بيخليني أكتب النهارده الحلقات دي. عايز أكتب في ستين ألف موضوع، ومش عارف أربطهم ببعضهم إزاي، فهاكتب وزي ما تيجي تيجي، ومش عارف هاوصل لإيه أساسا، بس محتاج أكتب، علشان الفيسبوك تحديدا هو اللي علمني الكتابة، وإذا كان مكاوي سعيد الله يرحمه ويحسن إليه هو اللي ف لحظة تاريخية راح قايل لي عالقهوة: “طب ما تكتبها إنت!” على حكاية كنت باحكيها له وقلت له: “ما تكتبها دي يا مكاوي”، فالفيسبوك هو اللي خد بإيدي، وعلمني أكتب إيه إزاي وإمتى، ولمين.

1

فيه حكاية لطيفة واحدة زميلتي موسيقية أوكرانية حكتها لي زمان عن فيلم، وأنا عمري ما شفت الفيلم، ولا عرفت حتى إسمه، بس الحكاية معبرة، ومع الوقت أنا غالبا ابتديت أحط عليها التاتش بتاعي، وغالبا فيه تفاصيل ضفتها، وتفاصيل تانية حذفتها، بس عموما حكاية الفيلم كالآتي:
الكمنجة من الآلات العبقرية في تاريخ الموسيقى، لإنها فكرتها أبسط من البساطة، والصوت اللي بتطلعه مختلف عن أي حاجة تانية، وكمان لما الإنسان اكتشف إيه اللي بيحصل لما الكمنجات بتعزف مع بعض، وفكرة الأوركسترا الوتري، وبعدين السيمفوني وكده، المزيج والتراكم الإنساني ده خلى للكمنجة دور مهم جدا في تاريخ الموسيقى. وعلشان الكمنجة خشب، وبتتصنع، وليها تقاليد في صناعتها، فليها كده زي ما تقول أرباب الصناعة.. اللي همه الدنيا وصلت لذروتها عندهم.
فكان فيه أسطى طلياني إسمه أماتي، ودرس عنده اتنين: ستراديفاري، وجفارنيري. ودول صنايعية من القرن السبعتاشر، عملوا كمنجات اتشهرت في كل أنحاء العالم، والكمنجة الستراديفاري النهارده ممكن يوصل سعرها لـ ٦-٧ مليون دولار مثلا، علشان بس نبقى فاهمين الليلة.
المهم بقى إن جفارنيري أو ستراديفاري مش فاكر مين فيهم، اتعلم من أماتي، واشتغل تحت إيده سنتين تلاتة. فالحكاية تقول لك إنه أول ما راح عنده كان بيشغله ساكاماكا، يعني امشي ياض روح عند عمك ما ابصر مين هات لنا إزازة نبيذ، روح هات لي أكل من عند خالتك مين وكده يعني، إخلط ده، قلب ده، وما فيش مانع في السكة يضربه، يبهدله، يهزأه.. عادي، ما هو الصبي بتاعه.
وما كانش يقعد معاه على ترابيزة واحدة، كان يسيب له شوية أكل اللي فاضل، شوية نبيذ، وطول الوقت ده أماتي بيعلم الصبي بتاعه إزاي “يشم” الورنيش، ويعرفه من ريحته، وهو ده سر الصنعة اللي قعد أماتي يورثها للصبيان بتوعه، لحد ما في يوم بعد سنين، راح أماتي ناده للصبي، وقال له اجري هات لنا نبيذ من عند عمك فلان، وأكل من عند خالتك علانة، وتعالى. جه الواد ولسه هيقعد على الأرض زي ما هو متعود، قال له: اقعد عالترابيزة..
- فيه إيه بس يا اسطى أنا عملت إيه؟
قال له: من هنا ورايح ما فيش اسطى، إنت النهارده خلاص بقيت أسطى، والنهارده أسعد يوم وأتعس يوم. أسعد يوم لإنك النهارده الصبح أخيرا عرفت الورنيش من ريحته، وبقيت أسطى قد الدنيا بتفهم، وأتعس يوم لإن من هنا ورايح إحنا زملا، وتغور من وشي من النهارده، وما اشوفش خلقتك تاني.
مش ممكن طبعا تكون الحكاية اللي حكيتها لي الزميلة الأوكرانية كانت بالشكل ده، بس الحكاية دي من زمان قوي، وأنا فهمتها كده، ولزقت في مخي كده.. وفضلت طول عمري أفكر فيها على هذا النحو.

هو ده بالضبط اللي حصل ما بيني وما بين الفيسبوك.. من ساعة لما كنت بانزل أجيب النبيذ للمعلم، لحاااااد ما طردني المعلم في اللحظة المناسبة، اللحظة اللي عرفت فيها ريحة الورنيش

Comments

  1. يا صباح الفل يا موخ. أخيرا عرفت أصلح المشكلة. بحب مراياتك يا صاحبي.

    ReplyDelete
  2. صباحك جميل يا حبيبي.. النهارده مر شهر على موضوع الفيسبوك. وما فيش أي أخبار. كده رواية إن الموضوع خطأ تقني، أو روبوت ما لوش محل من الإعراب. غالبا كده السبب أكبر، وما عنديش أي فكرة ممكن يكون إيه

    ReplyDelete
    Replies
    1. صباح الفن يا موخ. المفروض انهم لما يتأكدوا من الهوية عن طريق الباسبور يفتحوا الصفحة. انت مش معاك رقم التليفون اللي في الحساب، حاول تعمل استرجاع من التليفون وتبعتلهم ان الصفحة اتعملها Hack. أنا برضه ابتديت اشك ان في حد منزعج منك عمل الحكاية دي، حصلت معايا لما كنت في سبوتنيك. ناس ولاد حلال عملولي مشاكل على صفختي وعلى الصفحات اللي فيها مقالاتي كلها وبعتوا شكاوي لموسكو ولمكتب القاهرة. ربنا يكفيك شر الحقد وعدم التحقق يا صاحبي. القصد حاول تاني ومتفرطش في الصفحة. ادخل وحاول تعمل استعادة، واطلب كود واكتبه في ورقه واتصو بيه وابعت صورة الباسبور تاني. وقولهم ان الصفحة اتعملها هاك. صباحك ورد.

      Delete

Post a Comment

Popular posts from this blog

سوسن

الفيسبوك - الحلقة الثانية

حكاية حمادة