واحد.. اتنين، الشعب المصري فين - الحلقة الثالثة والأخيرة

2
بعد ثورتين، وبعد عودة الأمور لنصابها.. ظهرت فرصة أجمل بكتير من مدينتي.. 
العاصمة الإدارية الجديدة. 
أول أفكار ظهرت عن العاصمة الإدارية الجديدة، كانت مقلقة كده، وتحسس الواحد إنها فكرة زي بتاعة الرئيس الراحل محمد أنور السادات بإنشاء مدينة السادات. بس الفكرة المرة دي كانت على مستوى تاني فعليا. البلد دخلت مفصل سياسي واقتصادي وإداري وعمراني غير مسبوق، وبالفعل بقى من الواضح إن القيادة عندها إرادة سياسية حديدة، ومصممة على المضي قدما في الطريق اللي هي رسمته، وهو واضح.. إحنا هنخرج إدارة الدولة برا العاصمة القديمة، وهنفرمت كل الدولة من داخل المربع الصغير ده (العاصمة الإدارية الجديدة)، وهنرقمن (هنحول كل الأجهزة والإدارات والمستندات للنظام الرقمي) كل الدولة، بحيث إنها تتحول لدولة مركزية القيادة، بس مش مركزية الإدارة والخدمات، بمعنى إن المواطنين مش هيحتاجوا الطوابير، ولا الحركة للمؤسسات الخدمية، والتعرف على المواطنين هيتم من خلال تطبيقات الموبايلات والحواسيب الآلية، والبلد كلها هـ "تتلم" في العاصمة الإدارية الجديدة، كل حاجة هتحصل فيها، وكل الاستثمارات هتتركز هناك، وكل البيزنس هيدور من هناك، وكل الفلوس هتبقى هناك. بس حتى الفلوس خلاص، مش هتبقى فلوس.. هو حد فينا النهارده بيشوف فلوسه في البنك، ولا بيمسكها في إيديه.. كلنا عايشين في العالم الافتراضي، والدولة المصرية الحديثة هتواكب العصر ده، وهتعمل مدينة عصرية، تدير الدولة العصرية، وعلشان نتحرك بنفس الإيقاع اللي بيتحرك بيه العالم، لازم نسبق، ونشتري أحسن حاجة بتتباع النهارده، علشان تفضل معانا أطول فترة ممكنة، ونعرف نغيرها، أو نستبدل أجزاء منها في المستقبل.
منعم لقى غايته في إنه هيشتري شقة في العاصمة الإدارية الجديدة.

1
حوكشة بقى بيحوش، بياخد الفلوس آخر الشهر، ويحوشهم.. عمره ما آمن للبنوك، ولا للكروت اللي طالعة جديد اللي بقوا بينزلوا عليها المرتب دي.. كان بياخد الفلوس كاش، يوديهم لمراته، ومراته يا إما تحوشهم، يا إما تشتري بيهم دهب. ابن حوكشة بقى بيشتغل صبي ميكانيكي، وبيكسب فلوسه كاش.. جاب موبايل، ونزل كل التطبيقات، ودخل عالم تاني غير عالم أبوه.
حوكشة جت له شغلانة تبع شركة كبيرة قوي بتعمل شغل في مصر الجديدة. نزل الشغل، وعلشان هو عارف المنطقة كويس قوي، كان فاكر إنه هيرجع ياخد المترو بتاع زمان. بس المترو ما بقاش موجود، وما بقاش بيسعف.. خد مترو الأنفاق، ولقى المترو حاجة فخمة جدا. السعر أغلى شويتين، بس حاجة محترمة، وبالتكييف.. ساعتها ولأول مرة حوكشة دعا للسيسي، وبقى حاسس إن الدولة بتعمل حاجة علشانه هو مخصوص، بقى حاسس إنه حتى أحسن من الناس اللي راكبين عربيات فوق الأرض. هو بيتحرك أسرع، وبيوصل أسرع، وبالتكييف زيه زي أجدعها عربية بالتكييف فوق. بقى يوصل الشغل في 45 دقيقة زي زمان.
حياته انتظمت، ورجع ذات مرة عند سوق الرجالة القديم، لقى المنطقة اتبدلت، كباري، وشوارع سريعة، وما تفهمش حاجة.. مين رايح فين.. ما عرفش المنطقة. بس شارع السبع عمارات فضل زي ما هو، وعمو حسن بتاع الفول والطعمية فضل زي ما هو. والفرن الافرنجي فضل في مكانه.

2
الطريق لحد الشروق بعد الإصلاحات الجديدة بقى أعظم من العظمة، كل يوم منعم كان بيتحرك على الطريق ده، كان بيكتشف إنه قد إيه عبقري برؤيته الثاقبة والمستقبلية في الحركة خارج القاهرة ناحية الشرق، وحتى على الرغم من مروره بتجربة الشروق، إلا إن البيت سعره طلع ضعفين تلاتة، والأراضي غليت، وهيقدر دلوقتي مستريح يجيب أجدع شقة محترمة في العاصمة الإدارية الجديدة، ومع كل نفق جديد، وكوبري جديد، وطريق سريع جديد، حياة منعم بقت بتتحول للأفضل.

1
ابن حوكشة جت له شغلانة في محل كاوتش في السبع عمارات، وبما إن أبوه عارف المنطقة كويس.. شار عليه إنه ينزل محطة مترو الأنفاق اللي عند نادي القوات المسلحة اللي هناك، ويمشي الحتة اللي فاضلة لحد السبع عمارات. والمترو جميل، والمترو نضيف، وأنا زمان كنت باقعد هناك في سوق الرجالة، والراجل اللي جايب لك الشغلانة حبيبي من أياميها.. 
يوم يومين والواد عرف السكة، والدنيا بقت زي الفل.. 
بس فيه مشكلة صغيرة واجهت الواد ابن حوكشة.. 
تعدية الشارع.. 

2
منعم عرف كل الطرق المؤدية من وإلى، وذاكر خريطة الجوجل مابس، والحياة بقت زي الفل. هي كده الدنيا لو تفهمها صح، وتبص لها من عدلتها كل حاجة تتعدل.. طبعا لا يخلو الأمر من منغصات سواقين لسة مش عارفين أصول القيادة السليمة، بس غالبا كل ده يتصلح مع الزمن. ذات مرة من المرات عالطريق السريع ناحية شارع النزهة، منعم كان هيلبس في عربية قدامه، علشان الحمار اللي قدامه على الطريق السريع راح مفرمل فجأة.
يفرمل ليه؟ فيه حد يفرمل على الطريق السريع يا غبي؟ 
الحقيقة إن اللي قدامه فرمل لإن فيه واحد "غبي" تاني كان عايز يعدي الطريق السريع.. 
وهو فيه حد يعدي الطريق السريع؟ مش فيه أماكن لعبور المشاة؟

1
ابن حوكشة (وأنا متعمد ما أقولش إسمه)، من أول يوم قعد يدور على مكان يعدي منه الشارع ما لقاش..إشارة.. كوبري.. نفق.. اي حتة مرسوم عليها أي حاجة تقول إن تعدية المشاة من هنا، ما لقاش.. 
فبقى يعدي الشارع من الحتة الأقرب له… طب هيعمل إيه طه؟ ما هو ما حدش بيقول أي حاجة، ولا فيه أي حد موجود، عربيات عربيات عربيات.. طرق طرق طرق.. كباري كباري كباري.. 
قوم في ذاك اليوم، راح طلع يجري قدام العربيات، لقى نفسه ما بين عربيات كتير.. هرب من عربية، في التانية.. والتالتة راحت..

2
منعم عمره ما فهم اللي قدامه فرمل ليه، بس اللي قدامه فهم وشاف إن اللي قدام اللي قدامه خبط عيل كان بيعدي الشارع..

1
حوكشة لسه في الشغل، فرحان إن ابنه أخيرا لقى شغل، وفرحان إن حياته أخيرا انتظمت، واتطمن على مستقبل الواد، مش بعيد كمان كام سنة الواد يفتح هو ذات نفسه ورشة، ولا محل كاوتش، ساعتها ممكن أمه تبيع الدهب، ونشتري للواد محل، ويبقى أسطى قد الدنيا. ودلوقتي الدنيا خلاص بقت سهلة في المواصلات الجديدة.. فين أيام الواحد لما كان بيتشحطط قد كده في المواصلات. 

2
منعم عمره ما شاف ولا هيشوف حوكشة ولا ابن حوكشة.. ولا عرف ولا هيعرف الأغبيا اللي بيسوقوا على الطرق السريعة دي بيسوقوا كده ليه؟ منعم هيشتري الشقة في العاصمة الإدارية الجديدة، وابنه تامر هيدرس إم بي إيه في جامعة كولومبيا بعد ما يخلص الجامعة البريطانية، وهيرجع يشتغل في شركة متعددة الجنسيات في العاصمة الإدارية الجديدة.

1
أنا فاكر مرة أو يمكن مرتين بكيت وأنا باكتب مقال أو قصة.. 
باكتب السطرين دول ودموعي نازلة، علشان صعب عليا حوكشة، وابن حوكشة، وكل أهالينا الغلابة والبسطاء والعشوائيين اللي ما حدش عارف يفكر فيهم ولا يعرفهم ولا يشوفهم ولا يعملهم حاجة.. 
عارف ليه يا منعم؟
علشان طول عمرنا بنفكر في قضايا ومشاريع كبيرة ضخمة عملاقة عالمية دولية كونية.. 
في حين إن أبسط قضايا الناس إنها تعيش وتاكل عيش في أي "سوق للرجالة"، أبسط آمال الناس إنها تلاقي حتة تعدي منها الشارع.. أي حتة.. أي حتة والله العظيم ومش هنفتح بقنا والمصحف، هنمشي ان شالله 200-300 متر، إن شالله نص كيلو ولا كيلو حتى..وأهي تبقى رياضة.
نفق، كوبري أي حاجة.
مش كل الناس عندها عربيات يا منعم..
مش كل الناس هيعيشوا في العاصمة الإدارية الجديدة يا منعم.. 
...
مش كل الناس منعم..

Comments

Popular posts from this blog

سوسن

الفيسبوك - الحلقة الثانية

حكاية حمادة