Posts

في رثاء أولجا يسى

لا زال صوتها يرنّ في ذاكرتي السمعية، حتى بعد أن امتلأت تلك الذاكرة بملايين النغمات الموسيقية التي كوّنت وتكوّن تاريخي الفني، وشخصيتي الموسيقية، لازلت أتذكّر تلك الكلمات القادمة من الجانب الآخر من شقتنا الكائنة بوسط المدينة، وهي تمسك بي متلبساً : - رمزي، لم أسمع شهقتك في بداية المازورة .. تذكّر يا حبيبي أن السكتة جزء من الموسيقى لا صمت عاطل كانت تتحدث وقتها عن اختراعات باخ ذات الصوتين، وكنا قد بدأناها سوياً لتونا، بعد انتهائنا من عدة مقطوعات من مجلد " آنا ماجدلينا " ليوهان سيباستيان باخ، لا زلت أذكر الحصة الأولى، وهي تشهق بصوت عال في بداية المازورة كي تؤكّد لى أن الموسيقى لا تبدأ من النصف الثاني للضلع الأول حيث توجد النغمة الأولى، بل تبدأ من النصف الأول للضلع الأول مباشرة، حيث توجد السكتة، التي نضع بدلاً عنها تلك الشهقة المسموعة . لقد مرت عشرات السنوات، قبل أن أفهم ذلك الدرس العميق حينما درست مع أستاذي الروسي في كونسيرڤاتوار موسكو، كان علي أن أسمع ملايين النغمات، وأقرأ ملايين الكلمات، وأمر بعشرات التجارب، حتى يتسنّى لي بعد تلك السنوات أن أعود لتلك اللحظات ا...

حكاية شعبية

بهية كل يوم تعدي قدام عبفتاح الفتوة في الرايحة والجاية تصبح عليه، وهو يبص عليها من فوق لتحت، وعارف أصلها وفصلها، وعارف اللي ماحدش غيره عارفه عنها. وفي يوم من ذات الأيام دبت عاركة بين العيال حمادة وبديع، الاتنين عينهم منها، والاتنين قفشوا ف بعض ألا لازم يعقدوا عليها، وهي كانت بتسبل للاتنين، ومعشماهم الاتنين...الفتوة وقف في وسط الحارة ولمّ الناس وحكى لهم الحكاية، وقال لهم: دلوقتي بهية في سن الجواز، واللي عنده المكنة هو اللي يتجوزها. حمادة حلو وشاب، وبيحبها، بديع كبير وبكرش ونفسه فيها من سنين طويلة...بديع راح مطلع من جيبه خمسميت جنيه، وقال للفتوة، الشقة عندي، وآدي مهرها يا معلم، وآدي كمان حسنتك... خلص الموضوع، وبديع راح عند المأذون وعقد على بهية، في حضور الشهود، وراح جابها من بيت أبوها وهمه ماشيين، وهو مش قادر على جمالها، يقرصها، تتلوى قدامه، يعاكسها، تضحك بصوت عالي وتلمّ خلق ربنا، وكل الحارة تتفرج على بديع أبو كرش، وهو واخد بهية الجميلة الصغيرة اللي جمالها يحل من على حبل المشنقة، وهمه داخلين على العمارة كانت الحارة كلها بتبص من الشبابيك، وأول ما دخلوا من باب البيت، راح ب...

المواطن-الكنبة-الأمل

كان الأمل يدغدغ مشاعر حزب الكنبة ممن وقّعوا على وثيقة التمرد، وممن كانوا يرغبون في أن يقوم آخرون عنهم بالمهمة، مهمة التخلص من الأخوان الممثلين لحكم ديني فاشي، يبدو كأخطبوط على وشك أن يمسك بزمام الدولة ليحولها إلى إمارة، أو عاصمة لخلافة وهمية برعاية السيد الأمريكي وتابعه الإسرائيلي اللذان يريان في دماء العرب وقوداً ملهماً لمزيد من الدماء، ومزيد من القتل والدمار والتقسيم في الجسد العربي الجريح. أقول أن الكنبة، وعموم الشعب المصري، وقد قام بتوريط نفسه وكتابة رقم بطاقته وتوقيعه على وثيقة التمرد، ظن أنه بذلك قد قام بدوره، وأدى ما عليه، وجاء دور حماة الشرعية من المؤسسات السيادية التي يتغنى كثيراً بالتحاق أبنائه بها، فكم منا لم يفاخر بأن إبنه مقدم في الشرطة أو رائد في الجيش، أو يعمل في جهة سيادية غامضة تنقل إليه من داخل الجهاز معلومات خطيرة غير متاحة للعامة من الشعب. كان المواطن التقليدي من العامة، من الكنبة، من الجمهور قد تعود على استقاء معلوماته وتشجيع فريق الكرة الخاص به من على كنبة وسط الصالة في انتظار قنبلة مدوية تثير شهية فضوله، أو مؤامرة سياسية كبيرة، يشبع من خلالها غريزة القتا...

حديث وزير الثقافة في مجلس الشورى: ضآلة الفكر وضخامة التحدي

يبدأ وزير الثقافة الدكتور / علاء عبد العزيز حديثه الرصين ( كما بدا في اللحظات الأولى ) حول الثقافة المصرية بالإشارة إلى أن الحديث عن الثقافة لا يستقيم سوى بالحديث عن المشاكل الكبيرة التي تواجهها، لذا كان موضوعه الأول عن هيئة قصور الثقافة التي تعاني من مشاكل ضخمة يطرح لنا أمثلة لها . يحكي الوزير أن قصر ثقافة الأقصر يضم ١٢٥٠ موظفاً، ويتسائل في تهكم عن كيفية حدوث ذلك، ثم يلقي بالقنبلة الكوميدية التالية، التي يساعده فيها أحد الحاضرين، أنه لا يوجد مبنى، ثم يردف الوزير بعد ذلك بالتحليل شديد المنطقية، هو أنه حتى في حالة إذا ما وجد المبنى، فإننا بحاجة إلى بناء مبان أخرى كي تستوعب هذا العدد من الموظفين . ثم يترك الوزير تلك النقطة متعجلاً، وقد تأكد أنه أفحم الحاضرين بمنطقه الحديدي الذي لا يقبل النقاش، وتأكد أنه اكتسب تعاطف معظم القاعة من الموالين للنظام الحاكم وأعضاء حزب الحرية والعدالة الحاكم، فينطلق في ثقة وحماسة أكبر ليلقي القنبلة التالية المتعلقة بقصر ثقافة المنشأة في سوهاج، ويتسائل عما إذا كانت معلوماته سليمة، فيعقب أحد الحاضرين مؤكداً كلام الوزير، الذي يتخايل بإدراكه لكل ص...

وزير الثقافة وأغانيه الهابطة

لا يزال الدكتور/ علاء عبد العزيز وزير الثقافة الجديد مصراً على أداء الأغنية الهابطة المكررة والمعادة صباح مساء في شتى وسائل الإعلام حول الانتهاكات التي استخدمها سيادته كذريعة لإنهاء انتداب الدكتورة/ إيناس عبد الدايم رئيس مجلس إدارة هيئة المركز الثقافي القومي (دار الأوبرا المصرية)، والمتمثلة في إقامة عروض في مسارح تتسع لـ ٦٢٠ فرداً، والتذاكر المباعة ٨ تذاكر (وقد تفاوتت روايات عبد العزيز في عدد من وسائل الإعلام حول نوعية العروض، وعدد التذاكر المباعة، وعدد مقاعد المسرح!). كما يثير الوزير المرفوض الشفقة بينما يدعي أن معارضيه المعتصمين بمكتبه هم "أصحاب المصالح" وفي أدبيات الجماعة وصفحات الأخوان "أيتام سوزان مبارك" و"صبية فاروق حسني"، ويثير كذلك الرثاء وأحياناً السخرية حينما يصف معارضيه في بعض الحوارات بإنهم ليسوا سوى قامات "محلية" لا ترقى إلى "ماركيز". ويستمر الوزير على الرغم من كل المعوقات (على حد تعبيره) في سعيه إلى "التطهير"، و"ضخ دماء جديدة" والخروج من القاهرة إلى المحافظات ويشن حرباً ضروس ضد الفساد و...

الثقافة في الشارع

أعتبر ما يحدث في أروقة الثقافة النخبوية المصرية تاريخياً من عدة جوانب، فمع أنه لا يزال محدود التأثير بشكل كبير، ولا يزال المثقفون والفنانون يتحركون في دائرة قطرها جزيرة الزمالك ذات الماضي البرجوازي، والحاضر الرأسمالي الشرس، إلا أن تأثير تلك الحركة المتمردة غير التقليدية من جانب الفنانين والمثقفين بداية من احتلال مكتب الوزير، والاعتصام، ثم بدء الفعاليات، وتنظيمها على نحو جعل من شارع شجرة الدر مركزاً ثقافياً صغيراً، سوف يترك أثراً عميقاً في نفوس جميع المتورطين في الثورة الجديدة التي تسربت أخيراً إلى حظيرة الثقافة المدجنة. لا يجب أن تأخذنا السذاجة للتصور بأن "الشعب المصري" يدافع عن ثقافته قبل أن يدافع عن رغيفه كما تبدو الصورة الرومانسية لمجموعة من صفوة الفنانين وقد وقفوا في وجه المدفعية الأخوانية الثقيلة الموجهة إلى أحد قلاع "العلمانية"، و"اليسار"، و"الماركسية" على حد تعبير الصحف والصفحات الأخوانية الجاهلة والرخيصة، فالشعب المصري يعاني من الكبد الوبائي، وشلل الأطفال الذي بدأ يتسرب مرة أخرى بفضل الأخوة المجاهدين الذين جاءوا بدعوة خاصة من ف...

حكاية محمود الذي عاد حياً

سقطت مغشي عليها حينما علمت باختطافه، هاتفها أحد زملائه، وأخبرها بالحادث وطمأنها أنه على قيد الحياة، وأن القيادة ستفعل ما بوسعها كي تطلق سراحه في أقرب فرصة. لم تتحمل الصدمة، فمحمود ليس ابنها فحسب، بل هو كبير العائلة بعد وفاة والده الصيف الماضي بالفشل الكلوي، لماذا يستهدفها القدر هكذا؟ إنها تصلي الفروض الخمس، وتصوم رمضان، وتطيع الله، ولا ترتكب من الذنوب سوى النميمة أحياناً، هل من الممكن أن يكون جزاء النميمة أن يحرمها الله من رجلين في عام واحد؟! "لماذا يا رب؟ ماذا فعلت كي أستحق كل ذلك؟ استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم يارب، استرها عليا يا رب، استرها على الواد اللي حيلتي، الواد اللي ماحيلتيش غيره يا رب" في واقع الأمر لديها ولد آخر، لكنه لا يزال في المعهد الصناعي، ولا تعرف شيئاً عما ينتظره من مستقبل، أما بكريها محمود، فهو الأمل، والسند، وكان يعمل قبل الجيش مع أعمامه في الأرض، فكان رزقه ستراً وغطاء لها ولأخيه، ويساعدها الأعمام لحين عودة محمود بالسلامة، الآن محمود كما فهمت من المكالمة في عداد الأموات، وهل يرحم الإرهابيين أعدائهم من الجيش الذين يقبضون عليهم أو يقتلونهم؟! سمع...