النسبي والمطلق

قضية مصطفى حسين....

http://www.shorouknews.com/ContentData.aspx?ID=472348

"..تهمة الإساءة إلى الرموز الإسلامية والسنن المثبتة عن النبي....يسخرون بشكل واضح من اللحية والنقاب والجلابية وزبيبة الصلاة...."



استوقفتني تلك الكلمات لمغزاها العميق، فتلخيص الفكر في المادة، وتلخيص الدين في أشخاص وجماعات أمر في منتهى الخطورة، وينتحي بالدين الإسلامي (الذي تعتمد فكرته الأساسية على التخلص من الرمز والوسيط) عن فكره الأساسي، ويفتح باب الفرقة والتناحر والهبوط بالرسالة من علياء الأخلاق والمبادئ والقيم إلى حضيض الذات والمادة والمصلحة.

فقد تعامل السادة المحامون، وتعاملت الدعوة السلفية مع "الرموز الإسلامية" المتلخصة في اللحية والنقاب والجلابية وزبيبة الصلاة، بوصفها ثوابت، وهو أمر يعني أن الحليق شخص لا يتحلى برمز الإسلام، وهو شخص أقل إيماناً من الملتحي، ويعني أيضاً أن النقاب والجلابية (وهي منسوجات مصنوعة في الصين عادة!!!) هي مسوغات الإيمان والطعن فيها بمثابة الطعن في جوهر العقيدة "الإسلامية"، وهو ما يعني أن الإسلام هو السلفية، والسلفية هي الجلابية والنقاب واللحية وزبيبة الصلاة، ومن يطعن في أي من ذلك فهو يطعن في الوكيل الرسمي والشرعي للإسلام.

أي عبث، وأي جهل...

لم تعد المفاهيم هي الرموز الإسلامية (الصدق، الأمانة، الإخلاص، العمل) بل أصبحت الأدوات هي الرموز (الجلابية والزبيبة والنقاب واللحية) وقريباً (المركوب والطاقية والزي البشتوني)، وكلها أمور ذاتية جغرافية إثنية ثقافية، تختلف من مكان لآخر، ومن شخص لآخر، ولا يعبر ربط الإسلام بتلك السفاسف سوى عن خواء في المضمون وتكالب على المظهر على حساب الجوهر.

إن الأرثوذكسية في جميع الأديان تميل لبعضها البعض، ولعل هذا هو السر في ارتباط المجتمعات الإسلامية والمسيحية واليهودية في أوروبا الشرقية والقوقاز ببعضها البعض. ولعل ذلك هو السر في ارتباط اليهود المتشددين أيضاً بالرموز (الملبس، والطقوس) أكثر من ارتباطهم بالجوهر الحقيقي للديانة...أي ديانة...فالدين هو الطريق إلى الحقيقة (أو ما نظنه كذلك)، وحينما يرتبط ذلك الطريق بشروط تفرضها الذات والجغرافيا والتاريخ، يفقد الطريق معناه المجرد المطلق الباحث دوماً عن الحقيقة، ويتحول (الطريق) لأرض صراع، بين من يرى من البشر أن الحقيقة – الحق – المطلق - الله يوجد على بعد ثلاثة خطوات إلى الشرق، وبين من يرى من البشر أنه يقع على بعد أربعة وعشرين خطوة إلى الشمال، وينسى الإنسان النسبي القاصر في غمرة تكالبه على الدنيا، أن الله في تصورنا عنه في شتى الديانات هو المطلق، والمطلق موجود في كل الأماكن، وكل الأشياء، وبكل الطرق، وفي كل الإتجاهات، وفي كل الأزمنة . فهو الكل، وليس جزء. وهو المطلق وليس النسبي. والتعامل مع المطلق بعقلية النسبي، أمر لا يضير المطلق، قدر ما يشغل العقول بتفاهات ومتاهات حقيرة، ويصرف تفكير الإنسان عن جدوى وجوده في هذا الكون البديع.

Comments

  1. ذكرني حديث المطلق والنسبي بفيلم تسجيلي لألبارو ساو بعنوان كوبتوس، شاهده هنا

    http://moabdallah.wordpress.com/2011/01/02/%D8%B9%D9%86-%D9%81%D9%8A%D9%84%D9%85-%D9%83%D9%88%D8%A8%D8%AA%D9%88%D8%B3-%D9%84%D8%A3%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%88-%D8%B3%D8%A7%D9%88/

    يتبادل المادي والروحي الأدوار باستمرار بين صانع الفيلم وموضوعه.

    ReplyDelete
  2. معك كل الحق
    المقال رائع

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

سوسن

الفيسبوك - الحلقة الثانية

حكاية حمادة