بلطجية السيمفوني

تعصف بذهني أفكار متضاربة، وأنا أطالع رموز الحركة الموسيقية في مصر، وقد احتمى كل منهم بالآخر، وتكتلوا جميعاً أمام "بلطجية التحرير"على حد تعبير الأستاذة/ كاريمان حرك الصحفية بجريدة المساء، وهو التعبير الذي قالته لي في محادثة تليفونية، ورأيته مكتوباً في أحد التعليقات على مقالتها على الإنترنت...
قد يكون ذلك من قبيل المصادفة، أوقد تكون التعليقات هي الأخرى أكذوبة مثلما امتلأ التحقيق الذي نشرته في الجريدة بالأكاذيب والتلفيقات. أقول أن رموز الحركة الموسيقية المصرية تكتلوا وهم يحسون بالخطر الداهم من الشباب المنطلق بكل حماس نحو مستقبل جديد لأوركسترا القاهرة السيمفوني، وللمشهد الموسيقي، وللفن في مصر.
تشغل الدكتورة/ إيناس عبد الدايم وظيفة مدير الأوركسترا بالمخالفة لأحكام اللائحة المنظمة للعمل بأوركسترا القاهرة السيمفوني، ومنذ فترة بعيدة وبموجب تعاقد مبرم بهذا الشأن، حيث خلت اللائحة من وظيفة مدير الأوركسترا أساساً، التي تم اختلاقها خصيصاً لها، لتغتصب بها اختصاصات القائد الأساسي، وتتعدى بها على صلاحيات المكتب الفني. واستناداً للعقد السابق ذكره، فقد أصبحت الدكتورة/ إيناس عبد الدايم مديراً لنفسها (حيث تشغل في الوقت ذاته مكان عازفة الفلوت الأولى بالأوركسترا)، مما ترتب عليه  من وضع امتيازات شخصية لها ولمقربيها، ومخالفة جداول الحضور والانصراف الخاصة بالأوركسترا كعضو بالأوركسترا لعدم توقيعها بما يفيد ذلك منذ توليها منصب المدير (المختلق)، وحيث لا تتيح لها المناصب المتعددة التي تشغلها من تنفيذ تعاقدها كعازفة الفلوت الأولى بالأوركسترا، ولم يتم محاسبتها عن تأخيرها أو تغيّبها الدائم شأنها شأن باقي أعضاء الأوركسترا. (تشغل الدكتورة منصب نائب رئيس أكاديمية الفنون، وكانت تشغل حتى العام الماضي منصب عميد الكونسيرفاتوار، وهي أستاذ الفلوت بكونسيرفاتوار القاهرة في ذات الوقت).
وبجمع الدكتورة/ إيناس بين منصبي عميد الكونسيرفاتوار (حتى عام مضى)، ومدير الأوركسترا، تمكنت من السيطرة التامة على جميع الطلبة راغبي الالتحاق بالأوركسترا، حيث أن الكونسيرفاتوار هو البوابة الرسمية للإلتحاق بالأوركسترا. وأصبح المغضوب عليهم من طلبة الكونسيرفاتوار منبوذين وممنوعين من الدخول إلى الأوركسترا، ذلك أن لجان الإستماع تقوم الدكتورة بعقدها بعيداً عن الآليات السليمة وفقاً للائحة تنظيم العمل، وبعيداً عن الموضوعية والحيادية والشفافية. كذلك فقد خضعت المرتبات والمكافآت والسماح بالأجازات من عدمه للأهواء والرغبات الشخصية والمصالح الخاصة للدكتورة.
لقد أجبرت الدكتورة/ إيناس عبد الدايم يوماً البيانيست/ محمد شمس الدين  أن يلغي حفله مع الصعيدي في الموسم السابق لارتباطه مع السيمفوني وإلا "فلن يرى السيمفوني مرة أخرى في حياته" على حد تعبيرها. لأن خلاصة الأمر كان تصفية الحسابات بينها وبين المايسترو/ الصعيدي رئيس مجلس إدارة الجمعية الفيلهارمونية المصرية، والقائد الأساسي لأوركسترا الجمعية، حيث حاول المايسترو في السابق أن يخطف الموسيقيين من السيمفوني بأجور أعلى، وردت عليه مديرة السيمفوني بإلغاء ذلك الحفل له. ونهاية قامت مدير الأوركسترا في نوفمبر 2010 بصياغة قانون يمنع بموجبه العازفين الذين تم إنهاء التعاقد معهم بناء على طلبهم وكذا العازفين السارية عقودهم ويعملون في فرق خارجية من الوقوف على خشبة مسارح دار الأوبرا، وهو القانون الذي أثار جدلاً شديداً.
تقف اليوم الدكتورة إيناس مع لجنة (عقدت في 27 يونيو) تبيّن أن من بين أعضائها من يرتبطون بمصالح عمل مع المايسترو/ أحمد الصعيدي في نفس يوم انعقاد اللجنة (حفل بالجامعة الأمريكية 27 يونيو)، ويرتبطون معه بجولة فنية في أوروبا انطلاقاً من النمسا في اليوم التالي لمدة أسبوع (من 28 يونيو) ، مما يفقد موضوعية وحيادية قرار اللجنة ويجعله بعيداً عن الموضوعية. وتقف اليوم الدكتورة إيناس ضد 55 عضواً يمثلون ثمان قادة للمجموعات ورائد الأوركسترا وأكثر من نصف الأوركسترا وقعوا جميعاً على رفض قرار اللجنة باختيار المايسترو/ أحمد الصعيدي قائداً أساسياً.

المايسترو الصعيدي يقود أوركسترا حيفا السيمفوني الجديد في إسرائيل
قاد المايسترو/ أحمد الصعيدي أوركسترا حيفا السيمفوني الجديد (الإسرائيلي) في في عام 2005 بمناسبة منح جامعة حيفا خمس درجات دكتوراه فخرية في مدينة حيفا بإسرائيل، وتحدث آنذاك في جريدة "جيروسالم بوست" عن الموسيقى المصرية ما بعد ثورة يوليو، وعن مستوى أوركسترا القاهرة السيمفوني الذي لم يجده يرقى للعالمية على حد تعبيره. ويتسائل المرء عن دوافع المايسترو الصعيدي والدكتورة إيناس الآن في التمسح في ثورة يناير، وارتداء ملابس الثوار والوطنيين، وقد تلطخت سمعة الصعيدي بالتطبيع، وسمعة الدكتورة باستغلال السلطة والنفوذ؟؟
لا أكن للمايسترو أحمد الصعيدي سوى عميق التقدير والاحترام، ويؤسفني أن أكون في الجبهة المعارضة لعودته، ولكن الأوركسترا بعد الثورة يرغب في بداية جديدة، بفكر جديد، وأسس وآليات جديدة، بعيداً عن حسابات الماضي، وشخصيات الماضي، ووصاية الماضي على الحاضر المتغير بسرعة وغليان. فالأجيال الجديدة لابد وأن ترث هذا الأوركسترا، وقد تخلص من ظواهر الشللية والمحسوبية، والشخصنة، والتربيطات من أجل استخدام الأوركسترا مطية لتحقيق مآرب شخصية تتنوع بين المجد والشهرة والمادة...من حق الأجيال الجديدة أن تتخلص من أجواء استوديوهات التسجيل الملوثة، وأن تتمكن من الحصول على أبسط حقوقها من التأمين والمعاش (الأمر الذي لم تتمكن من تحقيقه إدارتين متعاقبتين على مدار عشرين عاماً)، أبسط حقوقها في مسائلة المدير والقائد والمكتب الفني، أبسط حقوقها في التعبير عن الرأي والرأي المخالف، أبسط حقوقها في المساواة والعدل بين جميع أعضاء الأوركسترا مصريين وأجانب (حيث كان انحياز المايسترو/ الصعيدي دائماً إلى جانب الخبرة الأجنبية، ولذلك ما يبرره في حدود معقولة!)...لقد رأينا ونرى أمام أعيننا يا سادة بزوغ شمس جديدة، جيل جديد من الموسيقيين الرائعين، النبلاء (أختلف مع بعضهم في الرأي، ولكنهم على قدر شديد من النبل وحسن الخلق والالتزام)، يتطلعون في أمل وتفاؤل إلى غد بعيد عن الوصاية والأبوية، حقهم علينا أن نلتزم الأخلاق والموضوعية والصدق، وأن نقدم لهم نموذجاً يحتذونه في المستقبل، فأوركسترا القاهرة السيمفوني ملكهم وليس ملكنا، أوركسترا القاهرة السيمفوني ليس ملك المايسترو القدير/ أحمد الصعيدي، أو مدير الأوركسترا وعازفة الفلوت القديرة الدكتورة/ إيناس عبد الدايم، أو ملك المكتب الفني، أو ملك أي من السادة أعضاء اللجنة الفنية الموقرين..

Comments

  1. للأسف لن تتمكن الأوركسترا من التحرر من قيد سيطرة اتحاد بيروقراطيو وزارة الثقافة والسلطة الفنية التقليدية - متمثلة في القادة والمدراء الفنيين معتادي السلطة - إلا بتحررها من التبعية لمؤسسة الدولة. شأنها في ذلك شأن جميع قطاعات وزارة الثقافة الجاري إعادة هيكلتها حالياً. أعتقد أنه من المفيد للأوركسترا أن تطلع على مجريات إطلاق سراح المجلس الأعلى للثقافة واقتراح تحويل قطاعاته إلى مؤسسات عامة لها ميزانياتها المستقلة - التي يشكلها خليط من ميزانية الدولة وتمويل الأفراد والدعم التجاري ودعم المؤسسات المانحة - ويحكمها مجلس أمناء لا يتلقى أجراًُ.

    الهيكل المقترح لا يختلف كثيراً عن هياكل حوكمة المؤسسات المدنية، إنه مضمون ومجرب وثابت النجاح خاصة فيما يتعلق بمسألة تجنب الفساد الإداري والمالي. يكمن التحدي في إمكانية مؤسسة الأوركسترا المستقبلية - المستقلة عن الدولة - في ضمان خطة تمتد لعدة سنوات وميزانية تؤمن رواتب العاملين فيها. إن تحول الأوركسترا لنموذج مثل الحجمعية الفلهارمونية مثلا يضعها تحت مصنف العاملين بالقطعة، بما لا يضمن مثلا مستوى معيشة وراتب منتظم للموسيقيين - ناهيك عن رؤية فنية وبرنامج بعيد الأمد. لابد أن تكون الرؤية أبعد من قدرة الفرقة على عقد حفلات والتجواغل حول العالم، لابد أن تكون المؤسسة الجديدة ذات رؤية ومخطط وبرنامج وأهداف وآليات محددة شأنها شأن أي مؤسسة ثقافية عامة.

    الخطة معقدة وليست بالسهلة، ولكني أتصور أن داخل الأوركسترا وحولها ما يكفي من الموارد البشرية لابتداع نموذجاً ملائماً يضمن تحرر الأوركسترا من سيطرة الدولة وانطلاقها نحو آفاقاً احترافية أبرح.

    ReplyDelete
  2. أنت تقرأ أفكارنا ... كان ذلك محور نقاشات مطولة مع المهتمين بشأن الأوركسترا، ومع أعضاء الأوركسترا، وأتمني أن أتمكن من مقابلتك ومقابلة متخصصين وقتل هذا الموضوع بحثاً في خلال الأشهر القادمة.

    ReplyDelete
  3. توقع تساقط عباية الفساد بسطوع شمس الحرية - اللى مش عارفة تسطع - حلم رومانتيكى جميل . الفساد يعنى فلوس و نفوذ يجعلانك تمنع و تمنح انما تخاف النور و الوضوح زى الوطاويط لان الواجبات ستحدد و بالتالى الحقوق . ساعتها ما يبقاش فى و لا منح و لا منع و النفوذ يطير و الوطواط يموت .
    الحرية ما تقدرش تحرر عير اللى يقدر عليها. لو اخترت الفساد لمصلحة مادية او أدبية أو سيكولوجية و كان فى مقدورى الا افعل .. ماذا ستغير شمس الحرية فى كيانى ؟ بالبلدى حاستفيد منها بأيه ؟

    " خيركم فى الجاهلية خيركم فى الاسلام "
    قول طالما ابهرنى لمحمد عليه الصلاة و السلام رأى به جوهر الشخص بعيدا عن الدين الدى يدعو اليه .

    الحر اللى ماكانش قادر يعيش حريته حيقدر يعيش حر لو الشمس طلعت انما العبد المحبوس فى روحه و لا شموس الدنيا تقدر تحرره للأسف .

    ReplyDelete
  4. نضال من أجل الاستقلال .. لا الاستغلال
    حسام الدين الإمام على

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

سوسن

الفيسبوك - الحلقة الثانية

حكاية حمادة