المحاكمة


لقد كان يوماً تاريخياً بحق، وبدت المحاكمة وكأنها حقيقية كأصدق ما يكون، ولكن صور خروج المتهمين من قاعة المحكمة كانت بالنسبة لي كإهالة التراب على كل ما حدث ، وأثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن المعركة الحقيقية للثورة قد بدأت يوم 8 يوليو، ولن تنتهي في القريب العاجل.
لقد كان مشهد الاحترام والتبجيل للمتهمين من قبل قيادات الشرطة الحالية، ومن قبل الشرطة العسكرية مثيراً للعديد من التساؤلات، ولم يكن التعامل معهم يحمل أي شبهة اتهام بضلوعهم في جرائم قتل ما يربو على الألف شهيد. لقد كانت الابتسامات والمجاملات مع اللواء حبيب العادلي والذي صدر بحقه حكم في قضية فساد بالفعل، لا تعبر سوى عن تقدير لدور الرجل في مهام عمله قائداً لذلك الجهاز الرئيسي في النظام السابق، وكان الود المتبادل بينه وبين عميد الشرطة العسكرية وكأن المحاكمة لم تكن سوى مسرحية، يتوجب على الجميع أدائها لإرضاء جماعة من الغوغاء اتضحت غوغائيتهم، وهمجيتهم من أداء حفنة من الهواة من المدعين بالحق المدني، والذين يدرك طالب في السنة الأولى بكلية الحقوق، أن أحداً لن يصدر حكماً بالإدانة ضد أي من المتهمين بناءً على دفاعهم الهزيل، في الوقت الذي وقف فيه فريق الدفاع عن المتهمين صفاً واحداً، منظماً، مدرّباً، تضاهي معارفه معرفة المشرع نفسه، ويتحدث بلسان الواثق من ثغرات القانون التي سيتمكن بحنكته ودهائه أن ينقذ موكليه من خلالها.

اللواء حبيب العادلي في قفص الاتهام
لم يكن أداء علاء مبارك في تغطيته للكاميرا، أداء متهم يخاف التشهير به، والمساس بسمعته، بل كان أداء رجل سلطة متمرس، يجيد استخدام عينيه المتجاهلتين الواثقتين المغرورتين حتى عنان السماء، يجيد بكل صلف وعجرفة أن يغطي تلك الكاميرا الوحيدة (التي تتبع تليفزيون الدولة وحده) ولم يكن يتبقى منه سوى أن يطلق الجملة الشهيرة: "إنتوا مش عارفين إنتوا بتصورواً مين؟؟ مش عارف أنا مين؟ مش عارف أنا إبن مين؟" وغيرها من جمل العصر البائد التي ملأت، ويبدو أنها ستملأ حياتنا لوقت إضافي. لقد كانت تعبيرات وجه علاء مبارك واثقة من أن جميع من حوله يحترمونه، لقد كان واثقاً من أن أحداً لن يسبه بوالدته، كما كان يفعل رجال العادلي بالمتظاهرين، كان واثقاً من أن أحداً لن يضربه على قفاه، ويتلذذ بإهانته مثلما كان يفعل رجال اللواء حسن عبد الرحمن. لقد كان الجو أليفاً عائلياً مليئاً بالاحترام، والتقدير، بل وبعض البهجة التي تمثلت في ابتسامات وضحكات السادة اللواءات المتهمين.
هناك حلقة مفقودة، إن من يحرس أولئك المتهمين لا يدرك ولا يشعر بعظم المسئولية وحجم وجسامة الجرائم، والمآسي، والمعاناة التي تسبب فيها هؤلاء، ولا أعني بطبيعة الحال أن تمارس الشرطة ما كان يمارسه النظام السابق من تجاوزات، أو تعذيب وغير ذلك، ولكن أضعف الإيمان أن تتعامل القيادات الحالية مع المتهمين بشئ من الحيدة، بوصفهم متهمين في قضايا شديدة الحساسية، وليس بوصفهم زملاء، وأصدقاء قدامى، فالأولوية لابد وأن تكون للوطن وللقضاء وللمؤسسات وليس للزمالة والصداقة والمصالح المشتركة...
ومع كل ما سبق يظل مشهد الرئيس المخلوع في قفص الاتهام مشهداً سوف تتذكره مصر والعالم، وسوف يكتب التاريخ ما فعله المصريون بمن تهاون في حق أبنائه، وأرضه، وثرواته، وسوف تظل كلمات المستشار أحمد رفعت: "بإسم الحق، وبإسم العدل" كلمات محفورة في أذهان الشعب المصري بأحرف من نور.

Comments

  1. بيتهيألي تقصد أداء جمال مبارك لأن علاء كان يبدو عليه التوتر الشديد عكس صلف جمال وعجرفته وإدارته لقفص الاتهام

    ReplyDelete
  2. أنا أقصد مشية علاء وتغطيته للكاميرا، وتعمده عدم النظر نحو المصور...وفي نفس الوقت تغطيتها بحركة واثقة..أداء بوليسي مخابراتي عتيد...
    وجمال أيضاً كان متماسكاً، ولم تبدو على أي من الثلاثة علامات الانكسار..

    ReplyDelete
  3. ثم كمان اية حوار المصحف ؟؟ هما دلوقتى اتدينوا يعنى ... و مبارك الى داخله على نقاله دا كل المصادر بقول صحتوا كويسة
    اسلوب سخيف جدا

    ReplyDelete
  4. This comment has been removed by the author.

    ReplyDelete
  5. عندما نفاجاء بان عميد الشرطه العسكريه المودع لهؤلاء السفله المتهمين بالقتل والفساد والسرقه مرحبا بكل سعاده واحترام وبهجه لهم هو المسؤل عن تأمين الموقع هو نفسه عميد كردون الشرطه العسكريه لموقعه العباسيه فهنا نفهم الكثير ويتملكنا الكثير من الشك

    ReplyDelete
  6. المحاكمة كانت كاذبة والإجراءات كذلك الشيئ الوحيد الصادق هو كان تصرفات المتهمين
    أما البلاهة هى التشفى من مجرد مثوله داخل قفص بالمكان الذى القى فيه خطبته بنماسبة عيد الشرطة الموافق 25 يناير فالكذب احاط بالمكان و
    بمن فيهم
    حسام الدين الإمام على

    ReplyDelete
  7. هم فعلا لم تظهر عليهم أي علامات انكسار ودا طبيعي بالنسبة لعائلة اعتادت القتل وكانوا بيقتلوا زي ما بيتنفسوا ومن قبل الثورة بسنين وصعب عليهم أن يشعروا بالندم دول جلدهم تخين وتوتر علاء اللي باتكلم عنه مش نابع من ندمه لا سمح الله لكن أعتقد إن دا من سمات شخصيته خصوصاً -حسب اعتقادي- إنه بيفهم شوية عن جمال

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

سوسن

الفيسبوك - الحلقة الثانية

حكاية حمادة