عريس


دكتور معتز الدريني المدرس المساعد في قسم جراحة المسالك البولية طول عمره كان طالب شاطر، وقبليها كان ولد شاطر، وأذكى اخواته، وأنبه زمايله، وحاجة كده تفرح العين والقلب والوالد والوالدة والقرايب القريبين والبعاد...من ساعة ما رجله خطت أول خطوة في التعليم، وهوه الأول، والأوحد، والأجمد، والأجمل، والأقوى، في كلمة واحدة الدكتور معتز ده سوبرمان...
وبما إن سوبرمان لازم يبقى سوبرمان في كل حاجة، فطبعاً طبعاً طبعاً الدكتور معتز كان سوبرمان في موضوع الحريم، وبما إنه مش بس دكتور في مستشفى، لأ ومدرس مساعد كمان، يعني في هيئة التدريس في الجامعة وش...فالدكتور معتز ده عريس لقطة، العرايس بتترمى تحت رجليه بالكوم، وقرايبه من زهقهم بقوا يمشوا عرايس لقطة لمجرد إنه ماعندوش وقت يتفرج حتى، فما بالك بمسألة الاختيار...
من يومين الدكتور معتز شاف واحدة قريبة حد من المرضى، ووقع في الحب من أول نظرة، طبعاً الدكتور معتز مش عبيط، وعارف يعني إيه حب...الحب ده أصله مشاعر راقية جداً، غير كل الحاجات التانية في الدنيا...كاظم، والسجاير المارلبورو الحمرا، وإزازة الـ "وان مان شو" اللي ف تابلوه العربية، وطعم الروج الرخيص على شفايف الممرضات اللي أحياناً كان بيوصّلهم بعد النوباتجية بتاعة الصبح...الحب حاجة تانية، بنت محترمة، بنت ناس، نغشة برضه مايضرّش، حجمها مناسب، وضعها الاجتماعي مناسب، وعينيها شقية وبتطرطش شرار من ساعة ما شافها...
ليلتها ما نامش، قعد يفكر طول الليل، إنه آن الأوان يكمّل نص دينه، ويتجوز، والظاهر إن ربنا استجاب لدعاوي الست الوالدة، وأخيراً لقى الحب الوحيد في حياته...تاني يوم الصبح كان مكلّم قرايبها، اللي كانوا بيزوروا قريبهم العيان اللي هوه عمل له عملية بروستاتا ناجحة، وطبعاً البروستاتا من العمليات المهمة في حياة الراجل من دول بعد الستين، وبالتالي فبعد نجاحها الواحد بيبقى عايز يشكر الدكتور الجراح بأي شكل...فما بالك إن الأستاذ الدكتور الجرّاح جاي يطلب إيد بنت أخوك، ولا بنت أختك...ده انت توصلها له لحد البيت...
في ظرف 48 ساعة كان فيه ميعاد مع الآنسة منة الله (موني)، لفرط توتر الدكتور معتز، إيديه كانت بتترعش بالسيجارة المارلبورو، ودخن وهوه معاها علبة مارلبورو أحمر كاملة، وفي ظرف عشرين دقيقة كان حكى لها عن تاريخ حياته المهني والعائلي والشخصي، وحتى حكى لها عن هواياته، وميدالية السباحة اللي خدها وهوه ف ثانوي، ولما كان بيعزف درامز في فرقة الجامعة، وكل ده و موني قاعدة ساكتة بتراقب وبتسمع زي ما يكون امتحان شفوي للدكتور معتز في سنة أولى طب في مادة التشريح، أول مرة يلاقي نفسه في امتحان شفوي، آخر مرة دخل امتحان شفوي كان في سنة الامتياز...من ساعتها وهوه ما بيتسألش، بيسأل بس أو بيقرر، أو بيكتب روشتة، أو بيضرب مشرط، أو بيدلو بدلوه في أي موضوع وفي كل موضوع...الدكتور معتز أصله ماشاء الله موهوب في كل حاجة، وقاري في كل حاجة.
المصيبة في الامتحان الشفوي بتاع موني، إنها ما كانتش بتسأل، ومع ذلك هوه كان حاسس إنه بيجاوب عن كل الأسئلة اللي هيه ممكن تسألها، وكان بيحاول يحرجم عليها من كل ناحية، وكإنه ماسك قفاها وقاعد عمّال يورّيها نفسه...قد إيه هوه عظيم، قد إيه هوه ناجح، قد إيه هوه شاطر...المصيبة إنه كان حاسس إن كلامه ما بيأثرش فيها مطلقاً، كان حاسس بحالة فظيعة من اللامبالاة، وكأنها بعد كل جملة من جمله، أو إنجاز من إنجازاته في انتظار ما هو أفظع وأكبر وأفضل وأعلى...
في النهاية، وبعد كل السرد لجميع الإنجازات الحقيقية والنصف حقيقية والوهمية...وبعد كل المناصب اللي تقلدها، أو كان مرشح ليها، أو بصدد تقلدها في المستقبل...اضطر مؤخراً إنه يستخدم السلاح اللي المفروض إنه عمره ما يخيب مع الستات، المجوهرات، والفلوس، والأراضي، والشقق، والعربيات...الخ الخ الخ
قيراط ألماس، وشقة 300 متر، وأرض في التجمع 600 متر، وعربية بي إم دبليو حاجزها من أبوالفتوح، ومرتب وهمي في مستشفى في دبي طالبينه يشتغل فيها، وهدية عيد ميلادها السكودا أوكتافيا ....
 

وأثناء المقطع الأخير من العزف المنفرد للدكتور معتز الدريني، رن محمول الآنسة موني، وفجأة الدكتور شاف قدامه شخص تاني، كلامها كان مع حد واضح إنها تعرفه من زمان، والكلام كان واضح إنه مع مذكر مش مؤنث...شوية والضحك اشتغل، والكلام كان فيه تنبيط مش واضح المعالم...المكالمة كانت زي ما تكون طويلة جداً...فييييين وفين لما خلصت، وأول ماخلصت الدكتور معتز سأل موني:
-          "مين ده؟"
-          فردت موني بتلقائية شديدة: "ده محمد صاحبي، أصلهم كانوا في حفلة للباند بتاع دينا الوديدي، والكيبورديست  اللي معاهم طلع على المسرح ببنطلون بيجامة...تصور؟!"...
-          هوه إنت ليكي اصحاب ولاد؟
-          أيون، عندك مشاكل مع ده؟
-          طبعاً...مايصحش، إحنا داخلين على ارتباط وعيلة، وماينفعش الكلام ده؟
-          طيب تمام، يبقى ماليش فيه يا برنس...كده يبقى ما ننفعش لبعض.
-          لأ مش قصدي يعني، إنت واخده الموضوع قفش كده ليه، أنا قصدي يعني إن العلاقة بين الولد والبنت مش دايماً بتبقى بريئة، والمشكلة مش فيكي، المشكلة بتبقى في الولاد اللي حواليكي.
-          يعني إيه؟ أنا طول عمري عندي اصحاب ولاد، زي اخواتي...ومافيش بيني وبينهم أي حاجة، والأمور واضحة ومحددة...وعموماً البداية كده مش مبشرة، يلى نقوم؟
-          نقوم ليه بس، طيب خلاص أوكيه، مافيش مشكلة، اصحاب ولاد يبقى اصحاب ولاد...بس أهم حاجة البيت والعيال يبقوا على رأس أولوياتك...أنا باحب الاستقرار، والهدوء، والبيت النضيف...يعني إنت فاهمة بقى البيت ومسئولياته.....
-          بس إحنا لسه مانعرفش بعض.

-          بس أنا حبيتك خلاص.
-          ......
-          تصدقيني لو قلت لك إنك وحشتيني من أول امبارح لحد النهارده؟
-          ....
-          موني، أنا حبيتك من ساعة ما شفتك
-          ....
بعد ما وصلت موني بالتاكسي لباب البيت، الدكتور معتز كان مكلمها 15 مكالمة تليفون، ماردتش على ولا واحدة منهم...ردت على المكالمة الستاشر، لأنها كانت الساعة تلاتة بعد نص الليل...
-          موني....أرجوكي اسمعيني (صوت الدكتور معتز ويبدو إنه كان مفطور من العياط!)...أنا حقيقي حقيقي باحبك يا موني، من فضلك اتجوزيني أرجوكي...
موني قفلت التليفون، واتغطت ونامت، في انتظار حلم سعيد بعريس جديد عليه القيمة...


Comments

Popular posts from this blog

سوسن

الفيسبوك - الحلقة الثانية

حكاية حمادة