وأعدوا


شعار الأخوان المسلمين باللون الأخضر، ويتكون من سيفين تحتهما كلمة "أعدوا"...ويقصدون بطبيعة الحال بداية الأية القرآنية "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وأخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم "...وتحت شعار "أعدوا" الشعار الجديد للجماعة: نحمل الخير لمصر.
ويتساءل المرء عن علاقة السيف بالخير، وتفسير كلمة "عدو الله"، "عدوكم"، "آخرين"، "الله يعلمهم"...
إن السيف بادئاً ذي بدء لم يعد سوى رمزاً أسطورياً يلقي بنا في أتون القرن الخامس والسادس عشر على أفضل التقديرات، فالسيف لم يعد سلاحاً بالمعنى الوظيفي للكلمة، وقد فقد وظيفته منذ زمن بعيد، اللهم إلا في أبجديات البلطجة وتجار المخدرات وعراك الشوارع، والسيف الموجود تحت الشهادتين على علم المملكة العربية السعودية هو أحد الأسئلة المطروحة دائماً في نفي علاقة العنف بالإسلام، فكيف نقول أن المملكة السعودية مهد الديانة الإسلامية، وبها كعبة المسلمين يحجون إليها من كل بقاع الأرض، ولازالت تحتفظ بالسيف رمزاً لهذا الإسلام، وفي ذات الوقت ننفي ربط الإسلام بالعنف. ألا يرمز السيف إلى العنف؟
شعار الأخوان المسلمين به سيفان، لا سيفاً واحداً، وتحتهما "أعدوا"، أي أن الصورة تبدو كما يلي:
حرب ضروس تدور رحاها في الخارج (أي خارج: خارج الوطن، خارج  الجامع، خارج المنزل، خارج الغرفة)، وهناك "أعداء" هناك في مكان ما يتربصون بنا (نحن المسلمين، أو الأخوان...الخ الخ)، لذا وجب علينا الحذر وإعداد ما يلزم من قوة حتى نرهبهم، ونجبرهم على الرضوخ لإرادتنا.
أي أن المعادلة عند الأخوان بسيطة كل البساطة، "نحن" ضد "هم"، "أنا" ضد "العدو"، ويبدو ذلك منطقياً، حتى النقطة التي نبدأ فيها في الاتفاق على تعريف "هم"، تعريف "العدو"...فمن هم الأعداء؟ هل هم أعداء داخليون؟ علمانيون وليبراليون وشيوعيون وملحدون وأقباط مثلاً (أو هل نستثني الأقباط لأنهم أهل ذمة؟؟ ومواطنون من درجة "أخرى" ولا أقول "أدنى" من وجهة نظر الجماعة؟) أم هم أعداء خارجيون؟ الشيعة والمد الشيعي في المنطقة؟ أو غير مسلمين "كفار"؟ مثل إسرائيل وأمريكا، ولكننا سنضطر أن نضم إلى تلك القائمة دولاً أخرى يساعدنا بعضها، ويتبنى قضايانا. هل العدو هو كل ما هو غير مسلم، أو غير مصري، أو غير عربي، أو غير كذا؟؟
ثم من المسئول عن تحديد عدو الله؟ بمعنى: هل يقوم الأزهر الشريف بتحديد عدو الله، أو يحدده مرشد الجماعة، أو المفتي، وكيف يتأتى لبشر أن يحدد تلك الكلمة، ويبني على أساسها أن مصير عدو الله على سبيل المثال القتل أو الذبح أو الجلد الخ الخ الخ، ومن المسئول أيضاً عن تفسير كلمة "آخرين" ؟
وبعد كل تلك المؤامرة والتربص، والرموز التي تميل إلى العنف أكثر من ميلها للمحبة والسلام، يأتي الشعار المتناقض تماماً مع السيفين ومع "أعدوا"...."نحمل الخير لمصر"
أي خير تحديداً؟ ما يراه الإسلام؟ ما تراه الجماعة؟ وهل نضع السلفيين في الاعتبار؟ هل ما يراه الأخوة السلفيين يدخل في إطار "الخير"؟ وماذا عن الصوفيين، هل تتفق رؤية "الخير لمصر" مع ما يرونه خيراً؟ والأقباط؟ هل نتوقع أن يشملهم هذا الخير؟ بمعنى هل يعم الخير، ونرى رئيساً قبطياً لمصر؟ أو امرأة قبطية رئيساً لمصر في عهد الأخوان؟ بل دعنا نتساءل: من هي "مصر" من وجهة نظر الجماعة؟
هل هي مصر الإسلامية؟ هل هي الأغلبية المسلمة فقط؟ هل هم العمال؟ هل هم الأقباط؟ هل هم سكان المناطق العشوائية؟ هل هم رجال الأعمال والبورجوازية المتوسطة التي ينتمي إليها معظم أعضاء الجماعة؟
إن الشعار بلونه الأخضر الذي يستحضر العلم السعودي، وسيفيه اللذين يستحضران رمزية الجهاد، لا يتوافقان بأي حال من الأحوال مع شعار: "نحمل الخير لمصر"...تماماً كما كان "الإسلام هو الحل" لايمثل أي معنى واضح لكيفية التعامل مع الواقع المصري.

Comments

  1. اتفق معك أبا حمادة في رأيك حول راية الإخوان المسلمين، وهي في رأيي غير ملائمة لما أسلفت من أسباب. الإخوان جماعة سياسية مؤدلجة ولا يصح بحال أن تتبنى العنف مبدأ، ناهيك عن توظيف رمزيته. ولكن دعنا نتفق أن الكفاح المسلح مشروع في آونة، مثلا هل ستكون ردة فعلنا مشابهة ان اتخذت جماعة تستعين برموز الإنتاج والزراعة بتسليح عناصرها من أجل الدفاع عن قضية في نظرها أممية؟ إن الإسلام بوصفه ديانة عالمية كبرى يسمح بنمو أممي مشابه ويضطرنا للمعيار بمكيال واحد لدى التعامل مع المجموعات المطروحة حالياً.

    تتبقى مسألة الآخر، لن أقول قبوله لما تحمله من تعالي وفصل ما بين المنازل - وإنما الانخراط معه وبه. نطعن الإخوان - عن حق - دوماً في مسألة حقوق النساء مثلا أو موقفهم من الفن، وأتساءل: هل اقترحت أي من المجموعات اليسارية أو حتى الليبرالية قيادة نسائية؟ بل والأسوأ: هل تبنت أي منها موقفا واضحا من الثقافة والفن في أجنداتها؟ يؤسفني أن تتفشى مبادئ العنصرية والتفوق النوعي واستثناء حرية التعبير، أو التعبير أصلا، في مجتمعنا بأكمله. حتى صار خيار الاخوان شأنه شأن غيره.

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

سوسن

الفيسبوك - الحلقة الثانية

حكاية حمادة