اليوم أنت وغداً أنا


والآن تملّى في تلك الرأس المضرجة بالدماء..تملّى في تلك الرأس الخرقاء...الجوفاء..تابع تبخر الأفكار المجنونة مع خروج عصارات المخ المليئة بالعفن والقذارة والعنف والقتل والدم والدمار...وفي نفس الوقت حاول أن تتخيل ما يمكن أن تفعله بمليون دولار أو مليار أو مليارين أمام جثة هامدة ضعيفة فقيرة كهذه، هل تتمكن من منع الدود أن يأكل ذلك العقل المخبول، هل تستطيع كل أزياء التاريخ أن تلف ذلك الجسد فلا تأكله الحشرات، وهل تتمكن حارسات الكون وممرضات العالم أن تمنع هذه العين، تلك الأيدي والأرجل والأحشاء من التحلل والتعفن.
لقد كنت ملكاً عظيماً، بل كنت ملك الملوك، كنت رئيساً فخماً، بل كنت رئيس الرؤساء وأقوى الأقوياء وأشهر المشاهير...كنت أبدياً، مستحيل الموت، وكأن القدر كان يخافك....كانت دعابة سمجة، اخترعتها في ليل عابث، ثم صدقتها، وزرعتها فيمن حولك...كانت نكتة سخيفة فرضتها آبار نفط صادف أن تكون في المكان الذي تتبول فيه...كانت قصة رخيصة نسج خيوطها كل من نقل أخبارك، وكل من تلقى منك ديناراً، وكل من تعامل معك بغير ما أنت أهل له...فأنت مهرج...عشت مهرجاً وتموت مهرجاً...وأخطأ كل من تعامل معك بغير ذلك، فصدقت نفسك، وصدقك شعبك والعالم من وراءه، لقد كانت شرعيتك من العالم الذي نصبك مهرجاً له، وضعوك ظلماً على مسرح، وجلسوا في مقاعد المتفرجين يدللونك، ويدللون أبناءك، ويحلبون بقرتك الحلوب، وأنت أحمق مهلهل الثياب، لا ترقى لأن تكون خادمهم..احتفوا بك وقبلوا يديك، من أجل سلطة هنا أو برميلي نفط وامرأة هناك...
كان الفصل الأخير من ملهاتك مأساة إنسانية كبرى، بدأت بخطاب تافه ومشاهد مريضة، وانتهت بمستنقع دم طال الجميع، وسكتت الجوقة، وكف المغنون، واشتممنا رائحة الموت من أعينك المريضة الشريرة، لقد أهلكت شعباً، ولكن الشعوب تعود فتولد من جديد، بينما تتعفن جثتك في الأرض عبرة لآخرين من بعدك...
تملى في الرأس المضرجة، تملى يا إنسان...أينما كنت وكيفما كنت، تعلّم أن الحياة استثناء لا قاعدة، تعلّم أن عظمتك تنتهي يوماً إلى قذارة وعفن، وبقدر ما يحبك البشر بقدر ما تخرج من الدنيا عزيزاً، وبقدر ما يكرهونك بقدر ما تخرج مكللاً بعار أبدي، إنها حكمة الكون، حكمة المطلق، الكامل، الرب، الإله، الكل...
اليوم تموت وغداً أنا...

Comments

  1. No more great speeches, no more great outfits, another diva is gone...

    ReplyDelete
  2. هو إزاى أنا ما عرفتكش قبل الأن؟عنوان المدونة لا يدل على المضمون ..أفيلسوف أنت؟أشكر الظروف التى جعلتنى ألتقيك هنا

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

سوسن

الفيسبوك - الحلقة الثانية

حكاية حمادة