عبرة الموت

في تلك اللحظة الكونية المقدسة، وعلى عتبة ذلك المزلاج الصارم، حيث العبور في اتجاه واحد فقط، تقف وحدك دون جندك. يودعونك هناك في العالم الذي انتهى لتوه، يصرخون، ويبكون، بل وقد يهللون ويفرحون بينما تقف الآن وحدك دون ولدك أو أهلك.
اليوم الحق، بل اللحظة الحق، ترى في أي جزء من تلك اللحظة عبرت الروح من جسدك نحو المجهول، ترى من أي جزء من جسدك المغلق تسربت تلك الروح؟ ترى كيف اخترق الموت كل حراساتك، وتكتيكاتك الأمنية الرهيبة، ترى كيف هزم الموت كل جنودك؟
هل تسمع بكاء المريدين، وشماتة الأعداء؟ هل ترى تلك الإعدادات الحثيثة لوداع يليق...بالچنرال!!!
هه....چنرال....حقاً....يا له من عبث! هل ترقد الآن في بزتك العسكرية؟ هل سيأكل الدود ضمن ما يأكل عقلك الجهنمي؟ أو قلبك القاسي؟ ترى كيف سيكون طعمهما...
چنرال...وجنازة عسكرية..وداع لائق بحق...ترى هل يستقبلونك على الجانب الآخر بنفس الحفاوة؟
الآن، والآن فقط تخرج عارياً كما ولدت عارياً...
الآن والآن فقط ترى الحقيقة... اليقين الأوحد في تلك الحياة المضطربة القصيرة دائماً..الموت
إنه ذات الموت الذي ربما أذقته لبعض من أخوتك في الإنسانية، لعلهم يستقبلونك على الجانب الآخر من العتبة المقدسة...
إنها اللحظة الوحيدة التي أقف فيها دفاعاً عن حرمة جسدك العاري الضعيف الوحيد، الجسد الذي لن يقف أمام أحط وأصغر ديدان الأرض، سينهشون كل ذرة من جسدك حتى العظام، فليس أقل من أن نتعظ نحن الأحياء، فسوف نقف لا محالة نفس موقفك هذا، وسوف تأكلنا نفس الديدان، فليس هناك في الموت شماتة، ولا يشمت إلا ضعاف النفوس.
حسابك عند الحق وحده، أياً كان دينك، ومعتقدك، وإلهك...العلم عند الله بوزرك وجرمك، ولكننا لابد وأن نربأ بأنفسنا عن الخوض في حرمتك ميتاً لا شفقة بك، ولا ترحماً عليك، وإنما شفقة بأنفسنا، وترحماً على من قتلت...لا يجب أن ننساق إلي مستنقع الحقد والغل والكراهية، فهو مستنقع بلا قاع...
ذهبت، وذهب شرك...وسيكمل الزبانية الحفل الداعر الذي اشتركتم في تدشينه يوماً. ولكن مصر أكبر منكم جميعاً، وسوف يبزغ فجرها رغماً عن أنفك، وعن أنفهم جميعاً.
لا شماتة فيك ميتاً، ولكننا نحب وسوف نحب الأرض التي ستحتضننا أمواتاً وسنزرعها بأجسادنا الميتة حتى تطرح لأولادنا ثماراً طيبة ولتسقط فاشيتكم العسكرية، وفاشية الدين المقيتة التي تشمت الآن في جسد له حرمته، كأقذر ما تكون الأخلاق، وكأحط ما تكون الغرائز...
ولنا في الموت عبرة 

Comments

Popular posts from this blog

سوسن

الفيسبوك - الحلقة الثانية

حكاية حمادة