الفيسبوك - الحلقة الخامسة




بط هوين

1
عمري ما أنسى الكاتب الروسي، اللي مش فاكر إسمه للأسف الشديد، اللي ترجمت له سنة 2010، لما كانت روسيا ضيف شرف لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وقال كلمته العظيمة "دمقرطة الثقافة هي طاعون القرن العشرين". الحقيقة الكلام ده في منتهى الخطورة، بس مش بس في الثقافة، إنما حتى في السياسة وفي هيكل المجتمع وفي حاجات كتيرة جدا، خاصة لو حطيت الكلمة دي جنب كلمة رئيس المخابرات المصرية الراحل، عمر سليمان، وبدون أي تريقة "بط هوين" But when، وقصده يعني إن الديمقراطية حلوة وجميلة، والشعب المصري ينفع إن الديمقراطية تشتغل معاه، ولكن إمتى؟ قصده يعني لما الناس تبقى "كبرت" و"عرفت" و"تستحق" الديمقراطية. سم جوا العسل طبعا، وقصده الحقيقي مش النهارده وهنا، إنما في يوم من الأيام هناك.. لما يبقى الشعب المصري يتعلم، ولما يبقى الشعب المصري يتثقف، ولما يبقى الشعب المصري (ودي كلمتي أنا) شعب واحد مش شعوب كتيرة، ومجتمعات كتيرة عايشين مع بعض على أرض واحدة، والروابط اللي بينهم بتضعف يوم ورا التاني.

    2
اللي حصل معايا في فيسبوك كان منتهى الديمقراطية، بحق وحقيقي، وبمنتهى الموضوعية تماما جدا خالص عالآخر. فيه نظام معين، النظام ده بيعتمد على إن لما مجموعة تزيد عن رقم معين تشوف إن فيه إنسان خطر على المجتمع (مجتمع الفيسبوك في الحالة دي)، يبقى إدارة الفيسبوك، ممثلة في الروبوت الآلي، بتعاقب الشخص ده. منتهى العدل، والديمقراطية، والحرية، وسيادة المؤسسة، وقانون المؤسسة، وما حدش أحسن من حد. 
بس اللي بيحصل إيه، وده مش ترويجا للاستثناءات أو المحسوبية أو الواسطة أو الشللية، هو إن ييجي مجموعة ما، لجنة، أو مجموعة تتفق، على إنها تهاجم شخص ما، لسبب ما، قوم النظام يطرد الشخص ده، بصرف النظر عن الأبعاد اللي ورا التقارير دي. يعني مجموعة من الأخوان، أو الأمنجية، خدت تعليمات بمهاجمة شخص ما.. قوم الفيسبوك فورا يحذفه، لإن الروبوت ما يعرفش أبوه، وبعدين فيسبوك مش هيقعد يشوف كل حاجة لوحدها، في وسط 34.5 مليون مستخدم في مصر، و2.45 مليار مستخدم حوالين العالم. هيصة يااابا، مولد وصاحبه فعليا غايب.. الأخ زوكيربرغ وعلى الأقل ألفين تلات آلاف واحد حواليه من الموظفين ما يقدروش يتابعوا هذا الكم الرهيب من المستخدمين بالإيد، وشخصيا.. وحتما لازم يعتمدوا على روبوتات، وبرامج، وسيرفرات ضخمة للغاية. 

3
وعلى الرغم من كده، فما فيش حل تاني. فعليا ما فيش حل تاني علشان يستمر عالم الفيسبوك شغال، وتتحل المشاكل فيه تلقائيا من خلال الروبوتات، لازم المؤسسة تشتغل، وتشتغل بالشكل ده، وما فيش أي حلول تانية غير استخدام الذكاء الصناعي، والاعتماد على المكنة إنها تاخد قرارات. وده نفس فكرة الديمقراطية، الديمقراطية مش أحسن حاجة في الدنيا، وفيه أمثلة كتير على ده، إنما هي النظام الأفضل اللي الإنسان قدر إنه يخترعه، ويوصل له بعد قرون من التجارب اللي راح ضحيتها عشرات الملايين من البشر.
كون إننا في المنطقة البائسة من العالم مش قادرين نوصل للحقيقة دي، وبنماطل، وبنناور، وبنحاول نخلي الحال على ما هو عليه، ده ما يديش وجاهة لأي نظام تاني شمولي أو ديكتاتوري تحت أي ظرف من الظروف. ومش معنى إننا شعوب صرفت على مدار عقود طويلة على تسليحها أكتر مما صرفت على تعليمها وعلاجها، إن هو ده النظام، وإن المستقبل هيفضل كده للأبد.. "بط هوين" اللي قالها عمر سليمان كان بيقولها وهو عنده فوق السبعين سنة، وكان قصده يعني مش في حياتنا.. وكان عنده حق، لإن حياته غير حياتنا ولا حياة أولادنا، ولا حياة أحفادنا، وجيله غير الأجيال الجديدة اللي بتتعامل مع الموبايل والإنترنت، وكمان سنتين تلاتة هتتعامل مع الشبكات الفايف جي. دي أجيال تانية، وأفكار تانية، وإيقاع تاني للحياة، و"بط هوين" ممكن يكون الإجابة عليها في خلال العشرة عشرين سنة اللي جاية، بعد ما الناس بقى ممكن تمسك موبايل، وتتعامل معاه، حتى وهي مش بتعرف تقرا وتكتب. العالم بيتغير واحنا معاه، وصعب قوي إن 34.5 مليون مستخدم على الفيسبوك، اللي همه ممكن يكون منهم على الأقل 27 مليون مثلا متفاعلين، وعايشين في إطار مؤسسة فيسبوك وقوانينها، إنهم يعيشوا بعقلية وإدارة قرن فات. اللي فات مات، وشبع موت، وفاضل بس إنه يتدفن.

Comments

Popular posts from this blog

سوسن

الفيسبوك - الحلقة الثانية

حكاية حمادة