واحد، اتنين.. الشعب المصري فين - الحلقة الثانية

حكاية حوكشة ومنعم

1
الوضع الاقتصادي الجديد، خلق آليات ومجتمعات ووسائل مواصلات ومشهد جديد بالكامل بالنسبة للعمال، الطريق اللي كان بياخد من رمسيس للسبع عمارات بالمترو 45 دقيقة، بقى ممكن ياخد ساعة ونص ساعتين، وأحيانا تلاتة علشان العامل يوصل لحد التجمع الخامس، أو الرحاب، أو مدينتي علشان يروح الشركة اللي بيشتغل تبعها، صحيح هو بقى عارف هو بيشتغل فين كل يوم، وبقى عنده مورد رزق مؤقت أي نعم بس ثابت، ومدته بقت بالأشهر والسنين، مش كل يوم بيوميها زي زمان، ما فيش حاجة اتغيرت من ناحية لو وقع من على سقالة، أو مات.. في كلا الحالتين هو كان ولا زال عارف إن حياته ما لهاش قيمة ولا تمن ولا دية، وراضي بالمقسوم، وبيشتغل علشان العيال والعيلة، ابنه لما يكبر هيشتغل زيه ومعاه، وصعب إنه يروح مدرسة في الظروف دي. الحاجة الوحيدة اللي ممكن تحصل إنه يخلص ابتدائي ويعرف يقرا، يمكن يلاقي شغلانة تانية في حتة أفضل شوية صغيرين.
من ناحية تانية شركات المقاولات بقت حيتان ضخمة، ودخلت في شراكات ضخمة مع شركات أجنبية، وبالتالي بقى من الصعب إنهم يتعاملوا مع "العمال بتوعهم" بالشكل اللي احنا متعودين عليه ما بيننا وبين بعض، العمال المفروض يبقى فيه لهم حد أدنى من الضمانات، علشان الشركة تشتغل أصلا في مصر، لإن دي شركات دولية، ومكسبها بيعتمد على سمعتها، مش لا سمح الله علشان رأس المال بيدافع عن العمال ولا حاجة من الكلام الفاضي ده، إنما علشان النقابات العمالية في لحظة من لحظات التاريخ، ضغطت على الشركات دي، وضغطت على حكوماتها علشان تسن تشريعات، وتطبق قوانين بتحمي العمال، وحياتها، ومستقبلها، والشركات دي لو ما عملتش كده، ممكن تخسر واحتمال تفلس كمان.
المهم حوكشة العامل بقى بينافسه في الشغلانة طبعا الفني، وحتى المهندس الخريج، اللي بقت الشركة ممكن تعينه في أي وظيفة، حتى لو ملاحظ عمال، طالما هو موافق.. 
المشهد من برا كان مرعب ومهيب.. مشاريع ضخمة عملاقة، وطرق، ومدن جديدة، وحياة ولا في الأحلام.. في الوقت اللي حوكشة بياخد ساعتين تلاتة رايح وزيهم راجع، وبيشتغل 8 ساعات، ويروح زي القتيل ينام 6 ساعات، ويصحى الصبح يروح الشغل من تاني، وفي الأجازة يقضيها نوم طول النهار علشان يعوض. هي دي الحياة.

2
منعم كان مبسوط جدا من الدماغ اللي مشغلة المشاريع الجديدة، وبقى شايف إن المجموعة الاقتصادية اللي حوالين جمال مبارك، ورجال الأعمال شغالين على مية بيضا، وبيحركوا البلد فعلا تجاه "العالمية"، ومصر ابتدت فعليا تنافس في سوق مسطحات الصلب، وسوق الأسمنت.. (اللي هي الصناعات اللي أوروبا بقت تخاف تعملها عندها لأسباب خاصة بالصحة العامة وتأثيرها على البيئة والمناخ، بعد ما البرلمانات طلعت قوانين تمنع عملها في نطاقات المدن، أو تحط ضرايب ومحددات كبيرة عليها).. مصر بالفعل بقت جنة الاستثمار. تعالى حضرتك وإحنا نفتح لك كل اللي إنت عايزه، عايز تعمل إيه ما فيش مشكلة، مش محتاجين لا تصاريح، ولا ضرايب، ولا أيتها حاجة، إحنا عندنا أصلا عادم السيارات في القاهرة لوحده كفيل بإنه يقتل سكان أي مدينة أوروبية في ظرف سنة واحدة.. إحنا حديد، والصحة حديد، والشعب المصري، والعامل المصري يبلع الزلط ولا يقولش لأ. 
عايز عمالة حضرتك، اتفضل، بتراب الفلوس أهوه، ولا تأمينات، ولا ضمانات، ولا معاشات.. يعني هنعمل  الورق كده وكده، ونبعت للتأمينات الاجتماعية، وهنضرب ورق ضرايب بالقيمة الفلانية، وفي الآخر هتطلع إنت الكسبان يا باشا.
منعم عمره ما كان شايف النص الفاضي من الكباية، النص المليان كفاية عليه.. النص الفاضي أصله مش عنده، النص الفاضي عند ناس هو خلاص ما بقاش شايفها.

1
أول ما الثورة قامت، الغلابة قالت لك: ده طوق النجاة.. هي دي اللي هتنصفنا. هو ده اللي احنا كنا بنحكي عنه بقالنا سنين.. هي دي المشكلة بالتحديد، إحنا كنا راضيين بسكة مترو مصر الجديدة من رمسيس لحد السبع عمارات، وكنا راضيين بسوق الرجالة، تقف الرجالة بالدور، ويموتوا الرجالة، ويشتغلوا اللي بعديهم، وعيالهم يورثوا الصنعة، ويموتوا، وكنا راضيين بقسمتنا ونصيبنا، وكنا حتى راضيين بالهم، لكن الهم هو اللي ما كانش راضي بينا، وخلى حياتنا زي حياة البهايم، لمصلحة ناس ما نعرفهاش، لا بنشوفهم ولا بيشوفونا. 
الناس نزلت الميدان علشان تشوف بعض، وتشتكي لبعض، وتتعرف على بعض، نزلوا الميدان يحكوا لبعض عن همهم، وعن قضاياهم ومشاكلهم، لقوا إن المشكلة واحدة، وإن اللي حاطط الحيطان ما بينهم، ومخوف ده من ده، ودولاهم من دوكهم، هو المستفيد.. اللي بيقول للغني الفقير هيسرقك، وللمسيحي المسلم هيقتلك، هو المستفيد علشان يرفع الحيطة أعلى، وياخد ده على جنب، والتاني على جنب، ويعمل مصلحة من ده وده ومن كل الناس، طالما الطبقات متفرقة، وكل واحد قاعد في "الكومباوند" بتاعه مقفول عليه بسور وحراسة.
الناس لما اتقابلت عرفت المشكلة، وحوكشة من سوق الرجالة قابل ناس من الزمالك وجاردن سيتي ومصر الجديدة ومن الصعيد والفيوم وسينا والسلوم، وعرف إن مصر كبيرة.. أكبر بكتير قوي من سوق الرجالة اللي هو كان بيروح له كل يوم في تلات ساعات، وبيرجع في تلاتة زيهم.

2
الثورة كانت هبل، وتهريج، وزعزعة للاستقرار، ومنعم بقى خايف إن كل المنجزات اللي الشاب النابغة المحترم جمال مبارك ورجال الأعمال بتوعه عملوها هتتهد. بقى خايف على فشل الخطة الجديدة بتاعته، إنه يشتري بدل البيت شقة كبيرة في مدينتي، اللي اتبنت قدام الشروق. كل الخطط دي بعد الثورة بقت على كف عفريت، في بلد، ما حدش هيستثمر فيها قرش بعد النهارده.
أول ما ابتدت الثورة تطرح، وابتدوا الأمريكان والألمان ووكالات الأنباء العالمية تجيب صورة التحرير، والدنيا كلها تتكلم عن مصر، ابتدى منعم يحس، إن يمكن فعلا هو ما كانش شايف الموضوع كويس. بالذات إن حكايات الثورة، كانت منطقية برضك. لأول مرة منعم يشوف حوكشة.. مش في الحقيقة، إنما في التلفزيون على الأقل. وابتدى منعم يفكر، لأول مرة، في حوكشة الغلبان، طب ما هو بجد، هيعمل إيه يعني الغلبان، اللي بيستغلوه بالطريقة البشعة دي.

1
أول ما نزلوا الأخوان، وضربوا الإسفين التمام، ومعاهم نزلت الحبشتكانات بتاعتهم، اللي بيحترموهم، واللي على يمينهم وعلى شمالهم، ونزل القرضاوي يصلي الجمعة في الميدان، وابتدت ميكروفونات تطلع تقول لك: الثورة منحة من عند الله، والثورة الإسلامية، ومصر إسلامية.. حوكشة اتبرجل.. 
حوكشة كان نازل علشان حاجة تانية خالص. حوكشة من سوق الرجالة كان نازل علشان عرقه، علشان عمره، علشان مستقبله، ومستقبل ابنه، حوكشة ما كانش عايز إبنه يعيش زيه، كان عايز ولسه عايز إبنه يعيش أحسن منه، كان بوده يعني الواد يتعلم، يتعالج، يشم هوا نضيف، مش عايزه يموت متزحلق من على سقالة، وهو مش رابط حزام أمان، ومش لابس خوذة صناعية، مش عايزه يموت في الطريق من الشغل للموقع، أو من الموقع للشغل، حوكشة ما كانش طالب أكتر من كده.. 
إسلام إيه وبتاع إيه يا جدع؟ أخوان إيه وسلفيين إيه؟ حوكشة غير الجمعة، ما كانش يعرف حاجة عن الإسلام.. حوكشة عرف عن الصيام من تلات أربع سنين، من واحد صاحبه، وبطل يصوم علشان بيجوع، وما بيقدرش يبطل السجاير. 
وبعدين الصوم ده علشان الغني يحس بالفقير، ويجوع زيه.. 
إنما الفقير كده كده جعان.. 
كده كده صايم.. 
المدهش إن الناس بعد ما كانت متقسمة بالعرض، ما بين الناس اللي فوق، بتوع جمال مبارك، والحزب الوطني، ورجال الأعمال من ناحية، والشعب اللي عايز الثورة من ناحية تانية.. بقت متقسمة بالطول ما بين الناس اللي عايزة أخوان، والتانيين اللي عايزين جبهة الإنقاذ، وبعدين بالورب، ما بين الأخوان، واللي بيحترموهم، ومرسي وأبو الفتوح، ومش عارف مين هيصوت لمين، وإنت مع شفيق، وإنت مع مرسي، وده مع عمرو موسى، والرابع مع حمدين صباحي.. 
مين حمدين صباحي ده؟؟
حوكشة ما سمعش عنه، وما يعرفش، ولا عمره هيعرف، ولا عايز يعرف.
حوكشة عايز حاجة تانية خالص.. إنتو مين يا جدع إنت؟
حوكشة روّح.. وبطل ينزل "الثورة بتاعتهم دي" ورجع يدور على أكل عيشه.. 
بس المرة دي سوق الرجالة في كل حتة كان انفض.. 

2
منعم كان عنده حق.
الاستثمارات هربت، والاحتياطي الاستراتيجي من العملة الصعبة ابتدى ينزل. بس الحمدلله القرشين اللي كانوا عنده من شغله في السعودية، كان حاططهم في بنوك برا، صحيح كان فاكر إنه هيرجع بيهم مصر، يستثمرهم في أي حاجة، ولا يحطهم في عقار ولا أرض، بس الموضوع ده خلاص، صرف نظر عنه خالص. الوضع في المنطقة بقى مش مستقر، وما حدش عارف بكره مخبي إيه.
منعم كان شايف إن جمال مبارك كان جسر العبور ما بين الحكم العسكري بتاع 52، وما بين الحكم المدني، بمعنى إنه صحيح ابن ضابط (ودي ميزة مش عيب)، بس هو واللي حواليه مش ضباط، علشان كده، ده كان هيبقى مرحلة وسيطة لطيفة كده، هتمنع أي صدام مصالح في المرحلة الانتقالية دي.
الثورة والهوجة اللي حصلت دي، هي اللي منعت السيناريو اللطيف الخفيف الظريف اللي كان ممكن يحصل.. زي أي حاجة ما حصلت في البلد.. زي الكباري والأنفاق والطرق والمدن الجديدة اللي حصلت في البلد من أول ما ظهر جمال مبارك في المشهد.. إيه يعني، كان هيحصل إيه في الدنيا لو كنا استنينا.. كان هيحصل إيه لو كنا قعدنا في البلكونة، وجبنا الويسكي الـ "شيفاز ريجال" وشوية مزات بسيطة، واستمتعنا بالهوا النضيف، وقعدنا نستنى لحد ما ربنا يسهلها، زي أوروبا والحتت المحترمة.

1
كان هيحصل كتير، صحة حوكشة ما بقتش على قده، حوكشة بيكبر في السن، وما فيش حاجة بتحصل، وكان فاكر في لحظة من اللحظات إن الثورة هي طوق النجاة، وإن البلد حالها هيتصلح بعد ما مشينا مبارك بسنة اتنين، هو كان ممكن يستحمل سنة اتنين، إن شالله يستحمل العمر كله، بس الواد يعيش كويس.
بس حوكشة فهم من درس الثورة، إن الناس مقامات، وفيه ناس ليها الحق في الحياة، وناس ما لهاش الحق ده. سلو بلدنا كده، ولازم ناخدها كده زي ما هي، بعبلها.. راح نعمل إيه فيها يعني؟
حوكشة ربنا كرمه، ورجع لقى شغل تاني، وقامت الثورة اللي بعد كده، بس حوكشة، ما بقاش عارف ولا عايز يعرف حاجة. شغلة فضل ماشي، وهو بيروح الشغل في ساعة ونص (بدل تلاتة)، حمد ربنا، وباس إيده وش وضهر، وشركة المقاولات اللي كان بيشتغل فيها بقت تشغله عدد ساعات أقل، قوم بقى ينام 8 ساعات بدل 6، وده ف حد ذاته إنجاز.

Comments

Popular posts from this blog

سوسن

الفيسبوك - الحلقة الثانية

حكاية حمادة