Posts

أمريكا

كنت في غاية السعادة حينما وصلني خطاب جامعة كونيتيكت من أمريكا، ومع أني أنهيت دراستي في روسيا الاتحادية ( الاتحاد السوڤييتي السابق العظيم ) ، إلا أنني تصورت أن قليلاً من " الحرية " يلزمني حتى أتعرف على العالم من شتى جوانبه . كتبوا لي أنهم قبلوني، وأن مرتبي كمعيد في الجامعة سوف يكون كذا، وأن صندوق المراسلات الخاص بالمعيدين موجود بالطابق الفلاني، ونصحوني بمحاولة الإسراع بالوقوف في طابور الحصول على السكن الجامعي، لأن الزحام عادة ما يكون شديداً، وتفاصيل أخرى لا أذكرها . كانت كلها تفاصيل بعيدة، ولوهلة أحسست، وكأن التفاصيل لم تكن لي، للطلبة والمعيدين القادمين من دول أخرى . كانت تلك المراسلات الصيفية تتم من خلال صديقي الحميم فيليب الأمريكي، ويرسلها لي كلما تجمعت . وفي أحد المراسلات طلبوا مني الإسراع بالحضور، لأن إجتماعات المعيدين والطلبة الأجانب على وشك أن تبدأ . وهكذا كنت على أول طائرة في طريقي إلى نيويورك، ومنها بالقطار إلى نيوهيڤين التي يقطن بها صديقي فيليب، ومعي حقيبة سفر واحدة كبيرة، بها أمتعتي التي يمكن أن تكفيني لسنة دراسية . استقبلني الصديق، وبدأنا في...

أوليجاركية الرأسماليين الأخوان وديمقراطية الدولة

الأوليجاركية هي كلمة ذات أصل يوناني من كلمة oligos وتعني "قليل"، وكلمة archo وتعني السلطة أو الحكم، أي أن الأوليجاركية تعني حكم الأقلية أو سلطة الأقلية والأوليجاركية هي صورة من صور هياكل السلطة، التي تتركز فيها قوة السلطة على نحو فاعل في يد حفنة قليلة من البشر. وهؤلاء قد يكونوا في أعلى هرم السلطة لأسباب ملكية، مادية، روابط عائلية، معرفية، بسبب شركات ضخمة، أو سيطرة عسكرية. وتقود السلطة في الدول التي تتبع أنظمة كهذه عائلات بارزة، تورث سلطتها من جيل إلى جيل. وتتميز تلك السلطات عبر التاريخ بلجوئها للطغيان (معتمدة على العبودية وإذلال الأغلبية من الجماهير للبقاء)، أو قد تكون أقل وطأة نسبياً في ظل نظم شبه جمهورية تعتمد دساتير تبدو على الورق متسقة مع الديمقرطية وحقوق الإنسان وتداول السلطة، بينما تكرس في الواقع لحكم أقلية عسكرية أو اقتصادية. وقد استخدم أرسطو ذلك المصطلح ليعبر عن "سلطة الأغنياء"، ولكن السلطة قد لا تحكمها المادة وحدها، ويمكن أن تكون في يد مجموعة مميزة مرتبطة بروابط عائلية مثل الملكية على سبيل المثال. وفيما يبدو أن مصر تحولت نحو أوليجاركية رأسمال...

بيچاما كستور

في الثمانينات من القرن الماضي، كانت بداية التفسخ الطبقي، والذي تبعه التحلل الطبقي في التسعينات، ثم تدهور وإنهيار الطبقة المتوسطة، وتحولها لشراذم متفرقة بين المجتمعات العمرانية الجديدة، وحفريات مدينة نصر، وأنتيكات مصر الجديدة، في تلك المرحلة الدقيقة من عمري، ومن عمر الوطن، كانت هناك بعض المفردات المميزة التي تعني الكثير بالنسبة لي، وبالنسبة لجيل كامل من شباب فرافير مصر الجديدة هكذا كان الأخرون يسموننا خارج حدود مصر الجديدة، وفي الجامعة ومجتمعات أخرى ! كان ذلك اللفظ يؤرقنا كثيراً، وندفع ثمنه أحياناً من بعض الخنوع، وأحياناً أخرى من اشتباكات محدودة مع بعض شوارعية الأحياء الشعبية، والشمحطجية، والبلطجية، ممن كانوا ينتهكون حرمة مصر الجديدة .. ذلك الحي الراقي الذي يسكنه في الأغلب أولاد الناس، على حين يسكن في بقية مصر أولاد ... لا أدري !! ولكنهم أولاد شيئ آخر، أولاد ناس " تانية " ، ولكنهم ليسوا " مثلنا جميعاً ".. هكذا قالتها أمي، ولقنتها لي في الصغر، وأكدها لي والدي ، حتى تيقنت آنذاك أن هناك مصر الجديدة، وهناك مصر أخرى قديمة تمثل أقلية من الشعب المصري يعيشون على تخوم ال...

حكاية حمادة

نكتة مصرية تحمل فلسفة عميقة تعلمها خيرت الشاطر في محبسه الذي استمر إجمالاً إثني عشر عاماً بداية من ١٩٦٨ في عهد الزعيم جمال عبد الناصر لاشتراكه في مظاهرات الطلبة ( أربعة أشهر، ثم فُصِل من جامعة الإسكندرية، وجُنّد في القوات المسلحة المصرية في حرب الاستنزاف ) ، ومروراً بقضية " مجلس شورى الجماعة " عام ١٩٩٥ في القضية رقم ٨ لعام ١٩٩٥ ( خمس سنوات بتهمة إعادة إحياء جماعة محظورة ) ، ثم عام ٢٠٠١ لمدة عام، وانتهاء بقضية العرض العسكري بجامعة الأزهر ( حكم سبع سنوات ومصادرة الأموال ) ، حيث أفرج عنه بعد الثورة في مساومة شهيرة مع اللواء عمر سليمان ... تقول النكتة : أن حسني مبارك كان راغباً في الترشح في أحد المرات لرئاسة الجمهورية، ويريد دعماً استثنائياً من الشعب، فطلب المشورة من العادلي، وكانت نصيحة العادلي أن تصدر الداخلية قراراً تعسفياً، فيلغيه الرئيس نزولاً على رغبة الشعب، واحتياجاته، فيخرج الشعب لتأييده، وحينما سأل مبارك عن القرار، أجاب العادلي : نفرض رسماً لصعود المركبات الملاكي على كوبري ٦ آكتوبر بكل ما يمثله الكوبري كشريان محوري للحياة في القاهرة، وليكن الرسم خمسة جنيه...

سارة عبدالله وأميرة الأسمر

في يوم من الأيام حاول النظام البائد، والرئيس المخلوع السابق الفاسد يقطعوا الاتصالات، يسدوا السما، ويحجبوا عن مصر شمس الحرية ... عمرك يا مواطن شفت غباوة أكتر من كده؟ هه !! فاكرين إن السما ممكن تتسد، وممكن الشمس ما تطلعش بكره، وممكن الهوا يتمنع عن الخلق فيتخنقوا ويموتواً، عمرك شفت في الدنيا هبل وعته أكتر من كده .. أهو ده اللي كان، وده اللي صار، ما باكدبش عليك ولا ببالغ .... يوم ٢٨ يناير ٢٠١١، من سنتين الا يوم، طلع الفرمان العبقري من الرئاسة والداخلية وكل الناس الحلوة الذكية اللي كانت بتفكر ولا زالت ... إن الاتصالات لازم تتقطع، والعيال دي لازم تبطل بث ... يوم ٢٨ يناير، مصر مش لازم يطلع منها ميجابايت واحد، والعيل اللي يتمسك يتحط في السجون على طول علشان السايب يخاف من الممسوك ... اتمسكت بشر، واتقتلت بشر، والدم ساح في الشوارع، بس السما ما اتسدتش، والشمس طلعت في اليوم التاني، والهوا بعد كل الغاز اللي ضربوه، كفى البشر والشجر والإنسان، ومصر عاشت مش بس لليوم اللي بعديها، ده لسة عايشة للنهارده ( مع إن الرئيس المخلوع وعدنا إن مصر هتندثر أول ما يسيبنا، ويوميها كل الناس قعدت تعيط .. ...

الأخوان والتمكين

إن عملية إنشاء دولة أخوانية موازية، من خلال تمكين الكوادر الأخوانية من مفاصل مؤسسات الدولة المهترئة أساساً من نظام الرئيس المخلوع، هي عملية عبثية بكل ما تملكه الكلمة من معنى، فالشعب المصري على مر تاريخه الطويل، هو شعب متراكم، يتميز اختلاط أعراقه المتنوعة بالعشوائية، فلا تجد توزيعاً جغرافياً للمصريين وفقاً للعرق أو الدين أو اللون . فماكينة الفرم الحضاري المصرية كانت قادرة طوال الوقت أن تفرم الثقافة الدخيلة، وتدخلها إلى مكونات الثقافة المصرية دون أن تتأثر بها بقية المكونات، ودون أن تطغى على الخليط ثقافة بعينها . وإذا أردت أن تتأكد، طالع بنفسك ملامح، وجماجم مواطنيك المصريين، ممن يتفاخرون بنقائهم العرقي .. القبطي أو العربي أو الجركسي أو التركي، ستجد عجباً عجاب، فهناك الجماجم الأفريقية، والعيون الچركسية الملونة، والشعر العربي الفاحم السواد، والبشرة الداكنة القبطية، وهناك الملايين من الملامح التي تنتمي لكل العالم، فمصر هي سرة العالم، التقت عندها كل الأجناس، وتفاعلت مع بعضها البعض لتنتج هذا المزيج الحضاري المدهش . لذلك تبدو الجهود الأخوانية الحثيثة لتلخيص المجتمع المصر...

محمود - قطار البدرشين

ابقى اكتب لي وطمني عليك...ابعت لي رسالة لما تشحن، أوعى تنسى يا محمود! هكذا تذكرت تلك الكلمات بمجرد أن استمعت إلى الخبر الأسود، كلمات مقتضبة، عبر خط التليفون، هرعت على أثرها إلى المشرحة، لتجد نفسها بعد ساعات تدفن وحيدها...غريب هو القدر، الذي يحول حياة الإنسان في لحظة تبدو اعتيادية ككل اللحظات، ولكنها تمر عليه وحده دون الناس بشكل مختلف...إن الضابط الذي أبلغها بضرورة الحضور، كان يؤدي واجباً اعتيادياً، سائق التاكسي الذي نقلها إلى المشرحة، كان يعتزم شراء وجبة، والعودة بها لعائلته، وموظفي المشرحة أخفوا ابتسامة، حينما علموا أنها أم القتيل... القتيل...هكذا أصبح محمود.. قتيلاً... ربما شهيداً، ما الفارق.. لن تأنس بحسه بعد اليوم، لن تحس حرارة أحضانه، لن تسمع صوته، لن ترى ابتسامته، لن تقرأ رسائله النصية...هكذا في غمضة عين، تحت عجلات قطار لا يرحم، على قضبان سكة مجرمة ظالمة...سيمنحونها معاشاً، ربما وساماً، ربما سيحضر لواء عزائه. ولكن بيتها اليوم لن يعود أبداً كما كان... لملمت خلجاته، ولملمت ما تبقى من نفسها، ووقفت تولول مع النسوة في جنازة مهيبة، كانت الحارة تحب محمود، وحتى لو لم تكن تحبه...